كانت المملكة على الصعيد الرسمي تعيش فراغاً ثقافياً ، وحتى عهد ليس بالبعيد، وتحديدًا في التسعينيّات الهجرية، وبعيد إنشاء الرئاسة العامة لرعاية الشباب كقطاع مؤسسي يهتم بشريحة صغرى من المجتمع، وكانت في الغالب تقدّم من الأوساط المدرسيّة النظاميّة، والأندية الرياضيّة الرّسمية المعتمدة لدى تلك الرئاسة، لم تكن تلك الجهود لتمثل الجزء اليسير لمسمّى بدء حركة أو مؤسسة راعية للثقافة، إذ أن تلك الجهود لم تكن لترقى الى طموح المجتمع السعودي على اختلاف مشاربه، ومناطقه الإدارية، وعوامله الديموجرافية، والفروق بين أعضاء كل شريحة بذاتها في الميول والاتجاهات والأفكار، والحصائل الفكرية، والمدى العمري الزمني والعقلي، ناهيك عن أن تلك الرئاسة أول ما ركزّت ومازالت على النشاط الرّياضي، ولديها مكاتب في مختلف مناطق المملكة، إلا ان تلك المسيرة واجهت أخطاء ليست على المستوى الإداري فحسب. ولمّا كانت الجهود البشرية تتخذ من الاتجاه التقليدي، وهو الفردي بالطبع في ذلك الوقت، وبعض من هذا الوقت أيضا، مما لا يستوجب توجيه كثير من النقد لها نظير اتخاذ مفهوم (الثقافة) كآلية، ومعاملتها كجدول عمل يطرح في المواسم الصيفية، ويقدّم باسمها بمعزل عن جمهورها الحقيقي، الذي يؤثر الهجرة في مثل هذه الأوقات، بدواع لا تحصى، مبررة بالمؤثرات المناخية. النقد غير المقرون بالبدائل الإيجابية دائما ما يفرز ويعزز الدّاء، وليس الكشف عن الدّواء، لذا جاءنا من حمل التوّجه المعاكس، وهو عبدالرحمن أحمد الحمد، من مواليد سنة 1369ه حيّ النعاثل بمدينة الهفوف، الذي حصل على الدبلوم من المعهد الصحي بمدينة صفوى عام 1389ه، وشغل وظيفة فنّي بمستشفى الدمام المركزي لمدة سنتين فقط، حيث الاشتغال على (القضية الحلم والحقيقة معا)، وهو إفراز إيجابي لمن تابع قراءاته لأخصب الأعمال الخليجية والعربية، وهي في أوج عطاءاتها، ومن كان له الأنموذج الماثل أمام أمّ عينيه، وهو الأخ الأكبر له، فكان العمل الجامع لكل أدوات الثقافة، وبدأه بلملمة جهود أخلص من تعرف إليهم بمنطقته الأحساء، والذين عززوا فيه الشعور بالاستقرار الوظيفي بالمنطقة أولا، ثم العمل على ما يريد ويريدون هم بمعيته، ومن هؤلاء حسن العبدي، عبدالعزيز المرزوق وخالد الحميدي، وكانت مطالبة ذلك الفريق بتأسيس ناد للفنون، كردة فعل لتجاهل ما تشرف عليه الرئاسة العامة لرعاية الشباب، التي تعنى بالثقافة وأدواتها، وكان لهم ما أرادوا بجهود فردية، وجمدّت الفكرة لمدّة سنة، جرّاء تعرض مجموعة من فناني المنطقة لحادث مرّوع، منهم عازف العود ومطرب العمالقة المرحوم محمد الحافظ، واستقروا بعد ذلك على أن يقصدوا مجموعة من رجال المال والأعمال بالأحساء، أمثال حمد المغلوث الذي تبرع بشحنة من الرّمل الأحمر، والشيخ ياسين الغدير، الذي رحب بمثل هذه الاندية، وشدّ من أزرهم سمو الأمير بدر بن عبدالمحسن، لأنه هو الشخص الذي يشرف على الجمعية السعودية التي تعنى بالموسيقيين، فدلف الوفد إلى الأمير بدر، حيث كان بصحبته الموسيقار طارق عبدالحكيم، الذي ما أن اطلع على الطلب الأحسائي حتى تفوّه بكلمة مازال لها وقع كبير حتى لقائنا بالحمد، وهي (بدأ الفرع قبل الأصل)، وفضلا عن طارق كان هناك عبدالعزيز الحماد، ومحمد الشعلان والموسيقار سراج عمر، وطلب سموه من الوفد كل ما من شأنه الكشف وبجلاء عن الأعمال التي قام ويقوم بها نادي الفنون بالأحساء، وحدّد للوفد شهرا للقائه، واطلاعه على تلك الأعمال، وما هي إلا أسبوعان من رجوع وفد الحمد للأحساء، وكان العمل على ذلك يسابق عقارب الساعة، في ظل الاستعانة بجهود كل من شاكر الشيخ، جواد الشيخ، عمر العبيدي وصالح التنم. فذهب الحمد للرياض، حاملا فكرته الموثقة، وجهد زملائه إلى مهندس الأغنية السعودية، فكان الاندماج بين جمعية الموسيقيين السعوديين ونادي الأحساء للفنون، تحت مسمى الجمعية العربية السعودية للفنون، ويكون مركزها الرئيسي على مستوى المنطقة الشرقية هو الأحساء، كشرط للاندماج المعلن، حيث عمل الحمد وزملاؤه على بناء الهيكل الإداري للمركز. ومما يسجل للحمد الأعمال المسرحية التالية: في فئة الكبار: السبع، ماطور النور، زين الحلا، غلط في غلط، رزة والبطن خالي، عقاقير وعقارات، الأيتام وأزرق اليمامة. أما في فئة الأطفال فكيس النحاس والأبواب الأربعة. ومن الأعمال التلفزيونية التي ألفها الحمد عمل (وجوه و لآلئ)، الذي أخرجه مبارك الهميل وأنتجته محطة تلفزيون الدمام سنة 1392ه. ومن الأسماء النسائية التي كان للجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون فرع الأحساء الدور الإيجابي في تقديمهن، ومؤازرتهن: شريفة الشملان، ثريا العريض، بدرية الناصر، وغيرهن كثيرات. إن ما يقرأ في عينيّ رجل الخامسة والخمسين هو حلم مساحة من الأرض تربو على 7200 متر مربع بمخطط عين نجم، منحت للجمعية منذ ما يزيد على 15 عاماً، ولم تترجم إلى واقع تنتظره عينه وعين كل أحسائي، يتوق أن يكون للثقافة أرض يمارس عليها كل إرث حقيقي ومكتسب، ويساهم بإخلاص في رقي ورفعة الوطن والمواطن.