العولمة.. تلك الكلمة المطاطية التي يفسرها المحللون كل حسب هواه وحسب ميوله ومراميه.. ينبغي ان نسعى الى فهم صحيح لهذا المصطلح.. الفهم الذي يخدم منطقتنا ولا يجرنا الى التخلي عن ثقافتنا وعقيدتنا وتقاليدنا وعاداتنا.. لذا نحتاج الى التعريف الصحيح لهذه الكلمة. في دراسة قيمة للدكتور علي ابراهيم النملة وزير العمل والشؤون الاجتماعية اوضح ان هناك تعريفات كثيرة للعولمة فالاقتصاديون يعرفونها على انه حركة تستهدف تحطيم الحدود الجغرافية والجمركية وتسهيل نقل الرأسمالية عبر العالم كسوق كونية والسياسيون يقولون عنها التدخل الواضح في امور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والثقافة والسلوك دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة او الانتماء الى وطن محدد او دولة معينة ودون الحاجة الى اجراءات حكومية ويعلق على ذلك احد المهتمين ممن يمليون الى البعد الثقافي للعولمة بقوله ان العولمة ليست مجرد آلية من آليات التطور الرأسمالي بل هي ايضا وبالدرجة الاولى ايديولوجيا تعكس ارادة الهيمنة على العالم ولدينا من ينظر الى العولمة على انها افكار القوة وهي نماذجها الثقافية والحضارية وهي تسير دائما في اتجاه واحد ولم نر مطلقا انها سارت في الاتجاهين الذهاب والاياب لذا فان العولمة بتعبير بسيط آخر هي اكذوبة القوى على الضعيف وهي استدراج له الى ساحات معقدة من ساحات التعايش الممكن في الوقت الذي يعلم فيه انه لايدرك من قوانين الساحات اي شيء وعلى اي حال فان التنمية البشرية - بما في ذلك التهيئة لها - ينبغي ان تنطلق من مفهوم خير الناس انفعهم للناس وان يكون الهدف من ذلك هو الارتقاء بمستوى حياة جميع فئات المواطنين وغير المواطنين من المقيمين في البالد لحاجة قائمة دعت اليهم. وفي الوقت نفسه نجد ان التوجه الى العولمة بمفهومها الاقتصادي بما في ذلك الانخراط في مفهومات المنافسة الدولية وتنظيم الارباح سيؤدي الى الدخول في نطاق ممارسة الضغوط والمناورة في المجالات العمالية بهدف تخفيض كلفة العمل اي العمل على انقاص الاجور وتقليص الخدمات الاجتماعية واهمال العناية والرعاية المكفولة للقوى العاملة تدريبا وتوجيها وتأهيلا وقد يميل التفضيل للقطاعات الاقتصادية التي لاتولد فرص عمل جديدة ولا تعتمد على كثافة اليد العاملة عملا بالقاعدة الاقتصادية الذهبيةالتي تحكم اقتصاد العولمة وهي: انتاج اكبر قدر من السلع والخدمات بأقل عدد ممكن من العمال وقد يتزامن ذلك مع اضعاف قدرات الدولة من حيث حرمانها من الموارد المالية التي تحصل عليها في شكل ضرائب ورسوم مختلفة. ويشار الى ان من الذين عالجوا العولمة برؤية سلبية ناتجة عن اختلاف في التوجه الفكري صاحبا كتاب (فخ العولمة) هانز بيتر مارتن وهارالد شومان اللذان لم يريا فيها خيرا للبشرية بل ان عنوان الكتاب يوحي بالمضمون والمحتوى ومن هذا المنطلق الفكري يستمر النقاش في هذا التوجه حيث يقول المؤلفان فيما يقولانه من تحليل طويل ومعقد - غير سطحي - وعلى مايبدو فقد انطبقت مصيدة العولمة على فريستها على نحو لامفر منه فهاهي حكومات اغنى واكبر دول العالم تبدو كما لو كانت اسيرة سياسة لم تعد تسمح بأي توجه آخر وليس هناك مكان عانى فيه السكان من هذا التطور ما عاناه سكان الوطن الام للثورة الرأسمالية المضادة على وجه الخصوص الولاياتالمتحدةالامريكية. وينبغي الا نكون عولميين اكثر من العولميين انفسهم فننساق وراق مفهومات لم تتضح معالمها بعد ونبدي من الحماس للعولمة على انها المخرج الى التنمية على حساب ظروفنا الخاصة التي تقتضي منا التريث دون التوقف، والتؤدة دون التعطل، والتأمل دون الابطاء مع الاخذ في الاعتبار ان الانخراط في تيار العولمة الذي تمثله الآن منظمة التجارة العالمية قد ترك هامشا جيدا لاتخاذ التدابير اللازمة لحماية القيم الدينية والاخلاقية والتراث الثقافي والصحة البشرية والحيوانية وفي هذ الصدد يقول احد المحاضرين عن العولمة ان مواجهة الافرازات العقادئية للعولمة الغربية لاتكون بالرفض السلبي او بالشكوى والتحذير السطحي بل بالتعامل الموضوعي والجدي معها والعودة الى مكنون الفكر والتراث الاسلامي واعادته الى موقع الريادة والمقدمة وطرحة ليس كبديل معاصر بل كأصل تغافل الناس عنه وانغمسوا في بدائل واهنة لاترقى الى مضمونه فان مواجهة التداعيات المادية للعولمة لاتكون هي الاخرى ذات جدوى اذا لم تقترن بعمل منهجي لاصلاح هيكل الاقتصاد العربي ليكون شريكا فاعلا في رسم معالم العولمة وصانعا لاستحقاقتها وهي معالم مازالت غضة تستوعب القادرين على تعديل معالمها وتوجهاتها والقدرة على مرحلة متقدمة من صراع الانسان مع قدراته الذاتية والمكتسبة وهو صراع حضاري لايمكن التغلب عليه بالانكفاء والتخاذل والرفض. وقال ينبغي التوكيد على ان الثروة الحقيقية الدائمة الباقية هي في الاستثمار في القوى العاملة او الموارد البشرية ولقد اثبتت التجارب الدولية ان الثروات الحقيقية للشعوب لا تتأتى من مجرد توافر الموارد الطبيعية او من وفرة الجوانب المادية او في شراء التكنولوجيا الجاهزة (فقط) وانما من خلال تدريب الافراد وحسن تنظم العملية التدريبية في المجتمع والارتقاء بالمفاهيم حول العمل وسلوكه والانضباط فيه وهذا ما اكد عليه قرار منظمة العمل الدولية بشان تدريب الموارد البشرية وتنميها في دورتها الثانية والثمانين (جنيف ربيع الاول 1421ه يونيو 2000) الذي اكد على ان التدريب حق - للجميع - على اعتبار انه جنبا الى جنب مع تدابير اخرى اخذ ادوات التصدي للتحدي الذي يمثله القطاع غير المنظم الذي لايحظى بالحماية ويتسم في معظم الحالات بانخفاض الدخل والانتاجية معا مما يفضي هذا التصدي في النهاية الى ايجاد العمل الشريف المحترم (Decent Work) لكل الراغبين في العمل. وانه من المهم التوكيد - في ضوء هذا التسابق المحموم نحو تبني معطيات العولمة - ان الاستثمار الحقيقي في منطقة الخليج العربية على الخصوص وفي غيرها كذلك يكمن في الاستثمار في القوى البشرية من حيث التعليم والتدريب والتأهيل، والتنشئة قبل ذلك كله وانه مهما انفقت الدول على هذا الاستثمار فانها في النهاية في الرابحة والعكس صحيح. ان الطفرة التي مرت بمنطقة الخليج العربية بفضل من الله تعالى ثم بفعل البترودولار قد ولدت جيلا عزف عن العمل عندما وجد من مقومات الحياة ما يحتاج اليه اكثر وبالتالي اتخذ من الوافد بديلا عنه في ادارة المنشآت التجارية والصناعية وغيرها وتشغيلها مباشرة او بما تعارفنا عليه بظاهرة التستر في وجه الانظمة (القوانين) التي تحول دون تملك الوافد لهذه المنشآت مما ولد جيلا اتكاليا قانعا بالقليل في الوقت الذي يحول فيه الى خارج المنطقة مايزيد على مائة مليار ريال سعودي (حوالي ثلاثين مليار دولار) على المستوى الخليجي عامة وهذا الوضع المؤقت صعب حملات التوطين كثيرا اذ وجد عدد عال من طالبي العمل من المواطنين في الوقت الذي تكون الفرص فيه مشغولة بالوافدن واذا اضفت الى ذلك مواقف اخرى غير ضعف التدريب والتأهيل لدى طالبي العمل من المواطنين كان هذا مدعاة الى اثارة علامة استفهام حول تطبيق مفهوم البطالة على هذه الفئة من طالبي العمل مما سيأتي بيانه في الوقفات التالية ومع هذا فلابد من الاستمرار في التوكيد على ان هذا الوضع مؤقت وطارئ ولا يمثل ماكان او سيكون عليه العاملون المواطنون في المنطقة.