ليس من السهل على المرء ان ينتقد ذاته او ينتقد احباءه وزملاءه لكن تبقى مصلحة الوطن فوق كل اعتبار فتولي الاطباء للمناصب الادارية موضوع يعيد طرح نفسه لأهميته فقبل تولي معالي الدكتور غازي القصيبي رحمه الله حقيبة وزارة الصحة يكاد يكون من غير المقبول في أذهان الناس والأطباء أن يتولى وزارة الصحة غير الطبيب بالرغم من تولي عدة وزراء للصحة من قبله وهم غير أطباء إلا أن تولي القصيبي لوزارة الصحة بعد وزير طبيب وما أحدثه من تغيير في الوزارة وضخه لدماء جديدة خصوصا الإدارية منها وطرحه لحقوق المرضى ومحاسبته للمقصرين جعل الكثير يشكك في مبدأ إلزامية أن يكون وزير الصحة طبيبا بل جعلنا ننظر للدول المتقدمة في الطب فوجدنا وزراءها غير أطباء واختفت من أذهان الناس المقولة التي تقول أن وزارة الصحة لها أسرارها ولا يمكن أن يديرها إلا الطبيب. لاشك أن البعض ممن تولوا وزارة الصحة من وزراء أطباء هم من المتميزين أكاديميا ومهنيا ولهم باع من الإدارة الناجحة في مؤسساتهم الصحية مما أهلهم لهذا المنصب لكن لا يعني هذا أن نعمم ونقول إن الطبيب هو الأجدر إداريا ويتم تعيينه في الكثير من المناصب الإدارية بوزارة الصحة بالرغم من قناعتنا بأن نسبة معقولة من الأطباء القياديين يجب أن يحتلوا مناصب قيادية تنفيذية لكن ليس بالكم الموجود حالياً. لكل مرحلة ظروفها ولكل حقبة زمنية متطلباتها فما كان مقبولا قبل ثلاثين سنة لم يعد مقبولا الآن ومانراه من تعيينات طبية في مراكز إدارية أصبح الآن غير مقبول لعدة أسباب رئيسية الأول : إذا مازلتم ترون تعيين الأطباء كمدراء للمستشفيات فأرجو أن يتم تأهيلهم تأهيلاً عالياً قبل تعيينهم. اني اعلم حجم المشكلة فهي ليست وليدة اليوم بل متراكمة منذ سنين طويلة وتحتاج الى حلول متأنية لكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة لأن الطبيب ليس مؤهلاً علمياً للإدارة والثاني توفر الإداريين من غير الأطباء والثالث أن الدولة فقدت طبيبا استثمرت فيه ولايمكن للإداري أن يحل محله. دعوني أحكي لكم تجربة شخصية في محاولة لإثبات أنه لابديل للتأهيل الإداري، قبل عدة سنوات كلفت بإدارة مستشفى الدمام المركزي وبالرغم من حضوري جميع الدورات الإدارية التي ينظمها معهد الإدارة العامة مشكوراً إلا أن إدارة منشأة صحية كبيرة ذات مهام فنية مختلفة ومعقدة يعمل فيها الآلاف من الموظفين تتطلب تأهيلا خاصاً وما يمكن قبوله عند إدارة منشأة إدارية مثل توفر الشخصية القيادية والحصول على دورات إدارية عامة لا يمكن قبوله لإدارة منظمة معقدة مثل المستشفيات. لقد صدقت مايقوله بعض الناس من أن أدائي في إدارة المستشفى كان ممتازا وأن المستشفى كان يعيش عهداً ذهبياً تحت إدارتي لكن يالهول ماوجدت لاحقاً!! بعد تركي لإدارة المستشفى التحقت ببرنامج ماجستير في الإدارة الصحية لمدة سنتين تعلمت فيها الكثير وخرجت بثلاثة انطباعات رئيسية بعد إنهائي للبرنامج: الأول هو أن العديد من القرارات الفنية والإدارية التي اتخذتها كانت خاطئة وغير مبنية على أسس إدارية سليمة والثاني هو أني أضعت فرصة ذهبية للتحسين والرقي بأداء المستشفى حيث وقف عدم تأهيلي الإداري حائلاً دون ذلك والثالث: تمنيت من كل قلبي لو أنني التحقت ببرنامج الماجستير في الإدارة الصحية قبل أن أتولى إدارة المستشفى لأخدم وطني بكل كفاءة وفاعلية. قد يقول قائل لعل الوضع قد تغير الآن ؟؟ أقول أتمنى ذلك لكن ما أراه لا يبشر بخير فالأطباء مازالوا يعينون مدراء مستشفيات حتى بدون أي خبرة إدارية بل حتى ان بعض الطبيبات والتمريض والفنيين أجدهم يسعون لهجر تخصصاتهم الفنية واذا لم يتمكنوا من ذلك تجدهم يسعون للحصول على تقارير طبية تمكنهم من التهرب من العمل الفني والتحول لوظائف إدارية. كم تمنيت أن تطبق وزارة الصحة ماتطبقه وزارة التعليم عندما يتحول المعلم إلى وظيفة إدارية حيث يحول من كادر التعليم إلى كادر الإداريين فيفقد جزءاً كبيراً من راتبه ، أقول لو طبق هذا في وزارة الصحة لما وجدنا طبيباً أو ممرضاً أو فنياً يهجر مهنته للتربع على مكتب فاخر. أتذكر جيداً أني قلت لمعالي وزير الصحة الدكتور عبد الله الربيعة _سلمه الله_ ومازلت أعيد ماقلته «إذا مازلتم ترون تعيين الأطباء كمدراء للمستشفيات فأرجو أن يتم تأهيلهم تأهيلاً عالياً قبل تعيينهم. إني اعلم حجم المشكلة فهي ليست وليدة اليوم بل متراكمة منذ سنين طويلة وتحتاج الى حلول متأنية لكن مشوار الالف ميل يبدأ بخطوة. [email protected]