على الرغم من أن العالم يقترب من بعضه البعض بشتى الوسائل إلا أن الطيران أو إن صح التعبير مساراته الجوية ما زالت بعيدة عن ذلك. ولكن بفضل تقنية متطورة وإستغلال المسارات الجوية بطريقة أمثل سيتسنى لنا قريباً التنقل الجوي بكفاءة أعلى. كم مرة حصل وأن أعلن قائد الطائرة في إحدى الرحلات الجوية قبيل إقلاعها وهي على المدرج بالعدول عن الإقلاع بسبب إزدحام المسارات الجوية أو بسبب سوء الأحوال الجوية وأن موعد الإقلاع قد تأخر 90 دقيقة أو أكثر وعادة ما يتبع ذلك الإعتذار عن ذلك التأخير بالإضافة إلى وعد الركاب بأن طاقم الطائرة سوف يسعون بكافة الطرق لجعل البقاء في متن الطائرة على أرض المطار مريحة وقصيرة. النتيجة أن المئات من الرحلات إما تتأخر أو تتوقف فيحصل بسببها تعطيل الأعمال وتأجيل الإجتماعات المهمة. في القارة الأوروبية وحدها نقلاً عن بيانات تصدرها الأياتا IATA تدلي بأن أكثر من 71 % من الرحلات القادمة إلى أوروبا أو المغادرة منها في فترة الصيف (الذروة) تتأخر عن موعدها المقرر, ذلك يعني أن 10 ملايين رحلة تتأخر بمعدل 30 دقيقة مما يكلف شركات الطيران الأوروبية ما يقارب 4 بلايين دولار على الأقل في تلك الفترة وحدها. وقد وصل عدد الركاب في القارة الأوروبية في عام 1998م إلى 541 مليون راكب وتتوقع الأياتا بأن يصل ذلك العدد إلى 1,1 بليون راكب مع حلول عام 2015م. ومع هذا الإزدياد المستمر في عدد الركاب بدأ الخبراء برسم الخطط للحد من أي سلبيات قد تواجه هذا الإزدياد من أهمها تأخر الرحلات عن موعدها المحدد. من الضروري لقائد الطائرة لدى شروعه القيام برحلة جوية تجارية تدوين خطة طيران Flight Plan تحدد مساره بدقة متناهية تحدد له إتجاهه وإرتفاعه طوال فترة الرحلة, لا يمكن لقائد الطائرة تغييرهذه الخطة بتاتاً إلا بموافقة الجهات المختصة وفي حالات إستثنائية. من الحلول التي ينظر إليها حاليأً في بعض الدول الأوروبية هو إرخاء الصرامة في هذا النظام وإعطاء قائد الطائرة بعض الخيار لسلك مسار أقرب لوجهته إن أمكن ذلك, ويكون مدعوماً بأسلوب متطور عن طريق أقمار صناعية ملاحية. يسمى هذا الأسلوب الجديد بالطيران الحر Free Flight. وفي نفس الوقت يقوم مهندسون بريطانيون بتطوير تقنية قياس إرتفاعات Altitude Measurement Technique لمراقبة أجواء الملاحة الجوية. فمنذ عشر سنوات وهم يسعون للوصول إلى تقنية ستغير أسلوب إدارة الملاحة الجوية تسمى وحدة مراقبة الإرتفاع Geometric Height Monitoring Unit (HUM). سوف يعمل هذا النظام لتمكين موظفي أبراج المراقبة الجوية من تقليل المسافة العمودية المحددة بين الطائرات أثناء طيرانها على إرتفاعات عالية. فمنذ عام 1950م والجهات المسئولة في الطيران تتطلب الفصل بين الطائرات مسافة عمودية لا تقل عن 300 متر (1000 قدم) للطائرات التي تحلق على إرتفاعات تصل إلى 8839 متر (29000 قدم), وتضاعف مسافة الفصل بين الطائرات في الإرتفاعات ما فوق ذلك. في حال الإنتهاء من تطوير وإنشاء نظام ال HUM سيتسنى الفصل بين الطائرات المحلقة على إرتفاعات بين 29000 و 41000 قدم إلى 300 متر فيزيد حجم المجال الجوي لإستيعاب عدد أكبر من الطائرات. يعمل هذا ال HUM المتطور بنظام وقتي غاية في السرعة, فسرعة تجاوبه تقدر بما يعرف ب Nano Seconds أي أقل من واحد على ألف مليون من الثانية. هذا المعيار يعطينا دقة في القياس تقدر بعشرة أمتار لإرتفاعات تتعدى 10000 متراً مما يزيد من كفاءة هذا النظام وخاصة من ناحية السلامة. مضاعفة أعداد المسارات الجوية في الإرتفاعات العالية سوف يمكننا من زيادة نقل الركاب بنسب تتراوح بين 20 إلى 30 بالمائة مما يحد أو يقلل من تأخير الرحلات عن مواعيدها المقررة. وسوف يقل إستهلاك الوقود ليوفر على شركات الطيران مبالغ تصل إلى 6800 دولار لكل طائرة سنوياً.