كما ان للصراعات بداية فان لها نهاية لتعود وتنطلق بصور واتجاهات وأولويات جديدة، وان لطبيعة الصراعات اثرا في استمرارها او اضمحلال بعض عناصرها، لذلك فإننا نرى ان الصراع بين الكتلتين الشرقية الشيوعية والغربية الرأسمالية قد انتهى وبصورة سريعة تجاوزت كل التصورات وذلك بسبب ان الصراع كان قائما على أسس مادية بحتة اكثر ما تخص طريق توزيع وتداول رأس المال، حيث ان التركيبة الاجتماعية والقيم والمفاهيم الفكرية كانت متشابهة فما ان سقطت المنظومة الشيوعية حتى بدأ التقارب والتطبيع يأخذ خطى متسارعة وكان ذلك واضحا في توسيع رقعة حلف شمال الأطلسي وفتح ابواب الاتحاد الاوروبي لانضمام دول جديدة اليه، بل هناك تنازل عن بعض المعطيات المادية لأجل اتمام ذلك الاندماج كما حصل في توحيد شطري الجمهورية الالمانية، بل وكان اقبح واشد اظهارا للحقد الدفين حينما توجه الحلف الشمالي الجديد بهجمته نحو المسلمين واعتبار ان المواجهة الجديدة بزعمهم مع الخطر الأخضر حسبما يوصف به الاسلام وسمعناه من الكثير من اصحاب القرار في العالم الغربي. ومما سبق يتضح ان جوهر الخلاف يتمحور حول معنى وتركيبة الحياة بكل شموليتها، حيث ان هناك اختلافا كبيرا بين الانسان المسلم والانسان المسيحي في الغرب في تناول الحياة بأولوياتها وحدودها وقواعدها واهدافها وسبل تحقيق تلك الاهداف، فالخلاف هنا ليس حسيا ماديا فقط بل هو فكري ووجداني متأصل بالروح والثوابت الايمانية لكل طرف، فلا يمكن تصور ان ما حدث من اندماج جوهري بين المجتمعين في كل من الكتلتين الشرقية والغربية ممكن ان يتكرر مع المجتمع المسلم لا الآن ولا في اي وقت لاحق ومهما حاولت دول الغرب من ترغيب وترهيب او من خلال ابراز العضلات او من خلال منظمات كمنظمة التجارة العالمية وفرض سياسة العولمة بمفاهيمهم الخاصة، لكن الشيء الوحيد الذي يمكن ان يحدث هو التعايش وتبادل المصالح المعيشية كل ضمن تشريعاته وحدوده السياسية والجغرافية في جو من السلم واحترام الخصوصية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل طرف، وهذا مضمون من جهة المسلمين بموجب التعاليم الاسلامية فهل نضمن نفس الشيء من الجهة المقابلة.