من الصعوبة بمكان تحديد تعريف واضح ومحدد للجمال. ذلك أن الجمال مسألة نسبية إلا أن هناك امورا لا يختلف عليها اثنان من ان هذا الشيء أو ذاك جميل بحد ذاته ويبهر النظر. والانسان منا أيا كان يعشق الحياة وكل ما يمت للحياة بصلة يتأمل المياه الجارية والأمواج المتلاطمة والنار المتقدة والكواكب في حركاتها والنبات الذي يترعرع والحيوان الذي يتنفس. والنظر الى البساتين فقط هو جمال آخر لا يقاوم .. فإذا ما نظرنا الى عواصم العالم يبهرنا بالحدائق الشاسعة التي تتوسطها والتي يرجع تاريخها الى قرون طويلة مضت... فلم تفكر الحكومات المتعاقبة لحظة واحدة في استغلال هذه المساحات الشاسعة من الأراضي الخضراء التي توجد في قلب عواصمها والتي يقدر المتر الوحد فيها بالآف الدولارات بل اعتبرتها حقا لجميع المواطنين وملكا خاصا لهم يتمتعون بجمالها ويتربصون في أرجائها وينعمون بهوائها العليل وكم نحن اليوم في حاجة ماسة لتلمس مواطن الجمال واستشعارها وتوظيفها بشكل جيد سيدخل البهجة لقلوبنا ويجعلنا اكثر تفاؤلا وأكثر احساسا بالآخرين. فالجمال ليس ورودا او حدائق وحسب وليس شكلا خارجيا فحسب وليس شيئا معينا في حد ذاته انه أكبر بكثير مما نتصور. ويظل السؤال كيف ننمي هذا الذوق الجمالي بداخلنا وكيف تستشعره؟ أن المسألة ليست اعتباطية بمعنى أنه ليس كل انسان يتذوق الجمال فالجمال أولا معرفة بقيمة الشيء الذي أمامنا وحولنا وبيننا وثانيا الاحساس به وتلمس مواطنه وثالثا الحرص على الحفاظ عليه ومراعاته وتجميله وتشييده ورابعا محاولة تقديمه بصورة فائقة الجمال تعكس هذه المشاعر الحلوة التي يحملها والنزعة الجمالية بداخلنا التي ربما لم نعرفها بعد أو ندركها بالصورة المرغوبة. ولكننا لكي نجلب الجمال إلينا ونستشعره لابد لنا أولا من تهيئة الأجواء المناسبة وقتا ومكانا وأدوات فالاستمتاع بالجمال لا يكون في كل وقت ولا يكون مع أي شخص أو في كل مكان. ولكي نستحضر الجمال لابد ان يكون من حولنا من اشخاص هم انفسهم يهوون الجمال ويقدرونه ويعرفون قيمته لأنه ببساطة شديدة أشبه بلوحه فنية فائقة الجمال لا يدرك قيمتها الحقيقية الا المتذوق الذي يقدر هذه الريشة التي رسمتها وتلك الأنامل التي أبدعتها وتلك الروح التي أظهرتها بهذه التحفة الفنية الرائعة. ولكي تحس بجمال الشيء حولك ماعليك إلا ان تتوقف لحظة تتامل لحظات , تنظر للشيء من جوانبه المختلفة , تتحسسه بكل حواسك الخمس ويكون أفضل لو اضفت حاستك السادسة أن أمكن. تربطه بشيء تعرفه تفهم معناه او مغزاه. تكتب بينك وبين نفسك ما أعجبك فيه أو لفت نظرك فيه وما ضايقك منه ثم تسأل نفسك أيهما يستحق التوقف والتأمل مكامن الاعجاب ام المضايقة؟ كل ماعليك فعله هو أن تطلق لمخيلتك العنان وأن تغوض في العالم الوردي الذي تحلم به وتتخيل نفسك مع الشيء الذي تريده وكيف تريده...الخ. انها أشياء رائعة بل أكثر من رائعة نلمسها بأنفسنا حينما نحاول ان تستشعر الجمال وهذا ما نحاول تنميته لكل من يبحث عن التذوق الجمالي. وكم كانت مفاجأتي كبيرة يوما ما حينما عملت دورة تدريبية عن (تنمية الحس والتذوق الجمالي) لقد فرح الجميع من الدورة والكل في حالة سعادة وتفاؤل والكل ايجابي ومنذ ذلك الحين وهؤلاء الأشخاص ما يزالون ايجابيون في نظرتهم لأنهم عرفوا اين الجمال فاتجهوا اليه وعرفوا كيف يستفاد منه فموظفوه لصالهم فهل تفعل أنت الشيء نفسه . هل تبدأ اليوم أن الجمال حولك في كل مكان في نفسك في غرفتك في في عملك في بيئتك في كل مكان تبقى شطارتك.