في قصة رمزية بعنوان «حيران»، أوردت في المقالة السابقة جانباً من المعاناة التي يلاقيها البعض في حياتهم العملية، جراء عدم تمكنهم من اختيار تخصصاتهم الجامعية والمهنية والوظيفية في سن مبكرة، لأن عمل أحدنا لعمل يحبه يجعله أكثر سعادة وأكثر قدرة على الإنجاز والإبداع، وتحقيق المزيد من الاستقرار النفسي والانسجام الاجتماعي وإشباع الرغبات، وتحقيق الذات وتوفير الوقت والمال (اعملوا فكل ميسر لما خلق له). من المعروف أن أنماط الناس تختلف في تعاملها مع الأفكار والأرقام والأجهزة؛ لوجود فروق فردية في الميول والاتجاهات والقيم، مع وجود إمكانية لتحليل مختلف التخصصات والمهن الوظيفيةولتحقيق هذا الهدف أقدم في هذه المقالة مبادرة إلى وزارتي التربية والتعليم، والتعليم العالي وأقسام التوظيف والموارد البشرية في القطاعات الحكومية والأهلية، تتمثل في إطلاق برامج تستهدف الطلاب والموظفين لتحديد ميولهم الدراسية والوظيفية والمهنية، من خلال تحليل دقيق لهذه الميول والمواهب باستخدام مقاييس واساليب علمية، تتضمن تقديم مجموعة من البرامج والخدمات التأهيلية والتدريبية والتوعوية المختصة، في ظل وجود تجارب واختبارات سبق تطبيقها تمكن الطلاب من تحديد تخصصاتهم الجامعية والموظفين الجدد من تحديد المهن المناسبة لهم. ومن المعروف أن أنماط الناس تختلف في تعاملها مع الأفكار والأرقام والأجهزة؛ لوجود فروق فردية في الميول والاتجاهات والقيم، مع وجود إمكانية لتحليل مختلف التخصصات والمهن الوظيفية والتي تتطلب كل منها مهارات أساسية تختلف من مهنة لأخرى. فنجد أن مهنة التعليم والعلاقات العامة مثلاً تحتاج إلى إتقان فن التعامل مع الناس واختيار الألفاظ مع وجود قدر من الحلم والصبر، ومهن المالية والمحاسبة تحتاج إلى إتقان فن التعامل مع الأرقام والتركيز، وفي المهن الصحفية والفكرية نحتاج إلى مهارات إتقان التعامل مع الأفكار. مع التأكيد أنه لا توجد مهارة أفضل من أخرى، وأن الاتصاف بمهارة معينة لا يعني انعدام متطلبات المهن الأخرى وإنما على الأغلب، كما أن هذه الميول قد تتغير مع الزمن مع بقاء أحدنا فترة طويلة وهو يعمل في مهنة ما. عند إطلاق برامج تحديد الميول، يجب الابتعاد عن الأساليب التقليدية، بحيث تكون البرامج المقدمة حديثة وتكاملية وشاملة ومرنة وغير جامدة، ويتم تحديثها باستمرار وقادرة على الدمج بين كل أنواع الاختبارات والقياسات لمساعدة المستفيد على اختيار تخصصه ومهنته، مع الاستفادة مما وصلت إليه أبحاث الذكاء البشري الذي تنوعت مجالاته، ولم تعد مقصورة على اختبارات الذكاء (IQ Test) التي مازلنا مكتفين بها في قياس ذكاء طلابنا اليوم، مع أنها تركز فقط على التحصيل الدراسي في مجالات محدودة. وقد أضافت العديد من الأطروحات والنظريات أبعادا جديدة للميول البشرية والذكاء الإنساني، يجب الانتباه لها وتضمينها في برامج تحديد الميول. وعلى سبيل المثال لا الحصر نظرية الذكاءات المتعددة (Multi Intelligence Theory) التي أضافت ذكاءات جديدة تضمنت الإشارة مثل الذكاء اللغوي والمنطقي والعاطفي والروحي والمكاني والصوتي والحركي والتصنيفي وذكاء العلاقات والوعي الذاتي.