(سألتني - رفق الله بك، وعطف على قلبك - ان اذكر لك الغريب ومحنته, وأصف لك الغربة وعجائبها(..) اقول: ياهذا: الغريب من اذا ذكر الحق هجر, واذا دعا الى الحق زجر. الغريب من اذا اسند كذب, واذا تظاهر عذب. الغريب من إذا امتار لم يمر, واذا قعد لم يزر. يارحمنا للغريب: طال سفره من غير قدوم, وطال بلاؤه من غير ذنب, واشتد ضرره من غير تقصير, وعظم عناؤه من غير جدوى, الغريب من اذا قال لم يسمعوا قوله, واذا رأوه لم يدوروا حوله. الغريب من إذا تنفس أحرقه الأسى والأسف, وان كتم أكمده الحزن واللهف. الغريب من اذا اقبل لم يوسع له, واذا اعرض لم يسأل عنه. الغريب من ان سأل لم يعط, وان سكت لم يبدأ. اللهم انا قد أصبحنا غرباء بين خلقك, فاننا في فنائك اللهم وامسينا مهجورين عندهم, فصلنا بحبائك) ابو حيان التوحيدي الاشارات الالهية ص8 و83 و84. كتاب الاشارات الالهية من اهم كتب ابي حيان التوحيدي, بل هو (في نظر احد مفكرينا المعاصرين) اهم كتاب له. ذلك لخصب الأجواء النفسية والوجدانية التي ينقلنا اليها عبر فصوله المتعددة. كلنا نعرف (المحنة) التي مر بها ابو حيان, والتي مر بها غيره, ولكنه بالاضافة الى انه عبر عنها بشكل مأساوي, قولا وعملا, في حين ان غيره لم يعبر تعبيره, بالاضافة الى هذا كان يتحلى بروح من المجون والسخرية, اتخذها درعا في وجه زمنه الوغد. (فيلسوف الادباء واديب الفلاسفة) هكذا كان يلقب ابو حيان, ونحن الآن لا نستطيع ذكر بعض الامور التي ذكرها في مختلف كتبه (ولا ادري هل هذا عائد الى تخلفه هو او تخلفنا نحن!!) ولكن لنذكر من وجوه المجون بعض ماجاء في الليلة الحادية والثلاثين من كتاب (الامتاع والمؤانسة) 3/22. (قيل لسمر قندي: ما حد الشبع؟ قال: اذا جحظت عيناك, وبكم لسانك, وثقلت حركتك, وارجحن بدنك وزال عقلك, فانت في اوائل الشبع, قيل له: اذا كان هذا اوله فما اخره؟ قال: ان تنشق نصفين).