الخطاب مصدر خاطب، وهو بحسب أصل اللغة توجيه الكلام نحو الغير للافهام ،وفي التنزيل العزيز:(فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب) وهو كذلك الرسالة المكتوبة فلا يقتصر على المشافهة فقط. والخطاب عدة أنواع منها الادبي والديني والسياسي و غيره، ولكل نوع من هذه الانواع اعرافه التي تختلف عن الاخرى. وتلعب لغة الخطاب بالاضافة الى امور اخرى ، دورا كبيرا في مساعدتنا على تحديد هوية وسياسة اية جهة، فهل يقتصر دوره على ذلك؟ يبدو انه يلعب ادوارا اكبر من ذلك، وقد يصل الى رسم السياسة بأكملها، فالفعل السياسي كما يقول الهولندي (فان ديك) يتشكل عبر الزمن من خلال الاتصال اللفظي. ولعل هذا الذي يجعل من غير المقبول التعامل مع الخطاب السياسي العالمي الجديد تعاملا سطحيا، من أن هناك زلات ألسنة تصدر عن الزعماء، يعتذر عنها فيما بعد أو لايتعذر. وتحول الخطاب الأمريكي ما بعد الحادي عشر من سبتمبر ليس بحاجة الى إثبات، حتى وإن فسر في بداية تحوله بأنه زلة، بدليل أن الخطاب استمر على وتيرته إن لم يزدد حدة. وبما أن المغلوب مولع أبدا بالاقتداء بالغالب كما يقول ابن خلدون، فإن الخطاب الأمريكي الجديد نتيجة التفوق الثقافي الأمريكي (بالمعنى العام) انعكس على الخطاب العالمي، فأصبح مقبولا أن نجد حدة في الخطاب السياسي، تصل الى درجة لم تكن مسبوقة. هذا التحول في الخطاب السياسي العالمي هو في الواقع وليد المرحلة وانعكاس حقيقي للوضع الجديد الذي نعيشه والخطاب السياسي جزء من السياسة يتأثر ويؤثر بها، كما أ،نه خاضع لحتمية التحول الدائب من عصر إلى عصر ومن ظرف الى آخر. من هنا أصبح مقبولا وربما حتميا تحول الخطاب السياسي حتى عند الدول الأكثر دبلوماسية، ليتم التصدي للخطابات السياسية الحادة، والا أصبح الخطاب الدبلوماسي خارج الزمن بدلا من كونه دبلوماسية، فحرص بعض السياسيين على التصدي لكل خطاب عنيف بدرجة تحفظ التوازن وكرامة الدول والشعوب. والحقيقة أن الخطاب السياسي اتسم عبر التاريخ بالتحول فلم يكن بوتيرة واحدة، بل إنه كان على مر العصور خاضعا لظروف المكان والزمان، محكوما بعوامل خارج الخطاب كقوة الدولة وضعفها، ومدى علاقتها بالدولة الأخرى، ومدى دبلوماسية الخطاب الآخر من حدته، وهذا الأخير لعب دورا كبيرا في حدة الخطاب، وأبرز مثال له ما اورده (ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ) من أن نقفور ملك الروم بعث برسالة الى هارون الرشيد طالبا الأموال التي بعثت بها الملكة من قبله، وإلا ردها بالسيف، فغضب هارون الرشيد غضبا شديدا، وكتب على ظهر الكتاب:(بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين الى نقفور كلب الروم قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه دون ما تسمعه والسلام) ثم سار من يومه حتى نزل على هرقلة ففتح وغنم وأحرق وخرب فسأله نقفور المصالحة على خراج يحمله كل سنة فأجابه في ذلك. ولو نظرنا الى رسائل الرسول صلى الله عليه وسلم لوجدناها تتراوح بين اللين والشدة، فرسالته الى النجاشي كانت رسالة لينة تتوافق مع العلاقة والمرسل إليه، بخلاف رسالته الى ملكي عمان، التي دعاهما فيها للإسلام ليسلما، أو ينتظرا زوال ملكيهما. وأخيرا فقد اشتهر تعريف السياسة بأنها فن الممكن، وإذا كان الأمر كذلك فإن الممكن يختلف من عصر إلى عصر، ومن ظرف الى آخر، وبالتالي فإن الخطاب السياسي يظل جزءا من المصالح التي تمثل الثابت الوحيد في عالم السياسة.