أجد متعة في قراءة الرسائل المتبادلة بين القادة والزعماء بمختلف عصورهم، وتباين لغاتهم وأعراقهم التي غالباً ما تكون سبباً في اختلاف وجهات النظر فيما بينهم، أو ربما تقودهم إلى حربٍ سجال ومعارك طوال، وأذكر كيف كانت الرسائل المتبادلة بين السلطان صلاح الدين الأيوبي والإمبراطور الإنجليزي "رتشارد قلب الأسد" تعكس، بل تصور أحداث حقبة الحملة الصليبية الثالثة "حملة الملوك" التي نقلها القاضي "ابن شداد" في كتابه "النوادر السلطانية" ما ساهم في فهم الظروف ومجريات الأحداث بصورة أكثر دقة من سرد المؤرخين لأحداث تلك المرحلة. كانت هذه الرسائل تعكس مدى إعجاب الشاب "ريتشارد" ب"صلاح الدين"، وتبرز بوضوح سير المفاوضات والمعارك بين الطرفين، كما تصور أحوال أبناء مجتمع ذلك الزمان، ولعل أغرب هذه الرسائل تلك التي طلب فيها "ريتشارد" من "صلاح الدين" سراً تسليمه أراضي الساحل الفلسطيني لحين جلاء "ريتشارد" منها وبعدها يكون ل"صلاح الدين" الحق في استعادتها؛ ليظهر "ريتشارد" بطولته أمام جيشه، وأنه لم يعد من أراض الشام خاسراً رغم عدم استطاعته دخول بيت المقدس. كانت رسائل "ريتشارد" الإنجليزي و"كونراد" الألماني و"فيليب" الفرنسي في الحملة الثالثة؛ أكثر وضوحاً ومباشرةً في تحديد أهدافها من تلك التي أرسلها بعد قرنٍ من الزمان القائد المغولي "هولاكو" لسلاطين مصر المماليك، لاسيما وقد لجأ هذا المغولي إلى ملء رسالته بأساليب البديع والجناس والمحسنات اللفظية لتتوازى مع جمل التهديد التي أطلقها. كما كانت رسالة الزعيم الروسي "ستالين" لرئيس الوزراء البريطاني تشرشل أكثر منطقية وواقعية من رسائل القائد المغولي، فقد أرسل "ستالين" لحليفه في الحرب العالمية قائلاً:"إن الموت هو المنتصر الوحيد" ومع أن رسالة "هارون الرشيد" للإمبراطور "نقفور" تعتبر أشهر رسائل العصور الوسطى حين قال فيها: "أما بعد فقد قرأت كتابك والجواب ما تراه لا ما تسمعه"، فإن مضمونها لا يتجاوز مضمون رسالة "عمر بن عبد العزيز" لحاكم القسطنطينية" سأرسل لك جيشاً أوله عندك وآخره عندي". ولأن كتب التراجم والمذكرات ظلت زاخرة بمثل هذه الرسائل التي كانت بمثابة إطلاله على أحداث ومجريات الأزمنة السابقة، ومرآة لما يدور خلف كواليس الزعماء ودهاليز السلطة، فقد بقيت رسالة الرئيس المصري الراحل أنور السادات للملك فيصل بن عبدالعزيز إبان معركة العبور عام 1373ه -حين قلّص الفيصل تصدير النفط عن بعض الدول الغربية- إحدى أشهر وأقصر رسائل حرب أكتوبر التي عبر بها "السادات" عن صادق شكره وتقديره للفيصل حين كتب له "أنجز حرٌ ما وعد".