وعندما يئس خالد بن يزيد من الوصول الى الخلافة اتجه الى طلب العلم، فنبغ في هذا المجال، وقد اهتم في بادئ الامر بعلم الصنعة (علم الكيمياء) فجلب العلماء من مصر، ليترجموا العلوم الكيميائية، والطبية من اليونانية والقبطية الى اللغة العربية. فخالد بن يزيد الذي عجزت بنو امية ان تنجب مثله - اول من بدأ ترجمة العلوم البحتة والتطبيقية من لغات مختلفة الى اللغة العربية. ثم نقلت الدواوين من اللغة الفارسية الى اللغة العربية في ايام الحجاج. ويقول محمد بن اسحاق بن النديم في كتابه الفهرست: كان خالد بن يزيد بن معاوية يسمى حكيم آل مروان وكان فاضلا في نفسه، وله همة ومحبة للعلوم، خطر بباله الصنعة، فامر باحضار جماعة من فلاسفة اليونانيين ممن كان ينزل مدينة مصر، وقد تفصح بالعربية، وامرهم بنقل الكتب في الصنعة من اللسان اليوناني والقبطي الى العربي، وهذا اول نقل كان في الاسلام من لغة الى لغة اخرى. ولم يقف خالد بن يزيد بن معاوية حائرا لانه لم يحصل على الخلافة، بل على العكس اتجه وبجدية متناهية الى دراسة علم الصنعة (علم الكيمياء) المثير لاحتوائه على الاوهام والطلاسم والخرافات والخزعبلات الكثيرة. لذا قرر ان يعرف ابعاد هذه الطلسمات، فتتلمذ على كل من الراهبين مريانوس واسطيفانوس المشهورين في ميدان علم الصنعة، فبرز في علم الصنعة (علم الكيمياء)، لذا اصر وبقوة على تطبيق التجارب المخبرية والمشاهدات الدقيقة المتأنية على جميع البحوث التي نفذها حينئذ والآن هناك اجماع بين العلماء في المعمورة على ان الفضل لله ثم لعلماء العرب والمسلمين وفي مقدمتهم خالد بن يزيد ابن معاوية في بلورة علم الكيمياء التجريبي. واضاف محمد بن يحيى الهاشمي في كتابه الكيمياء في التفكير الاسلامي قوله (كان يعيش في الاسكندرية راهب يدعى (مريانوس) كان يشتغل في الكيمياء، وقد سمع به الامير العربي خالد بن يزيد واستدعاه الى دمشق ليتعلم منه الصنعة، وبعد اخذ ورد قبل الراهب المجئ الى سوريا ليعلم خالدا الكيمياء، وقام بترجمة كتب الى اللغة العربية). اما سعيد الديوه جي فيقول في كتابه خالد بن يزيد (يئس خالد بن يزيد من الخلافة ولكنه لم ييأس ان يخلد له ذكرا يفوق ذكر الذي اغتصبها منه حيا وميتا. القصاص اذا سد بوجهه سبيل سلك غيره، وشق طريقا للنجاح وابواب العلم مفتوحة امام كل احد، ولكنها تحتاج الى مثابرة وجد والى قلب عقول متفرغ لها. وخال بن يزيد هو الذي كان احد المولعين بالعلم والادب.. كما نرى انه كان له ميل طبيعي الى العلوم والمعارف، وان ذكاءه المتوقد، وحبه للعلوم المختلفة لم يقنع بما كان للعرب من العلوم في ذلك الوقت وانما سعى للاطلاع على ما للأمم الاخرى من العلوم والمعارف المختلفة ولم يكن يعرف غير العربية، ولكن كان في الشام رهبان يعرفون اللغات الاجنبية، وقد تعلموا اللغة العربية من الفاتحين، كما ان مدرسة الاسكندرية كانت لم تزل موجودة، وفيها علماء تعلموا اللغة العربية وفي استطاعتهم ان يترجموا الكتب).