وبعد ان اختلف الكبار وانشقت الصفوف واتضحت الرؤية او كما يبدو ما مصير الأممالمتحدة بعد ان وصف الرئيس بوش اعمال مجلس الأمن بانها فاشلة. وتابعه في ذلك وزير خارجيته كولن باول, بل عرض بمن يزمع استخدام الفيتو لدحر القرار الأمريكي, أشار الى ذلك الرئيس بوش في خطابه الأخير قاصدا فرنسا وان لم يسمها. وترتفع سخونة حبال الجذب والشد بين الكبار في مجلس الأمن, ولا بأس من شد الرحال فجأة هنا وهناك كل هذا والمناهضون لقرار الحرب يظهرون من اجراءاتهم التنفيذية انهم غير قادرين على التصدي للحصان الأمريكي فهم يسحبون رعاياهم, ويغلقون سفاراتهم, وفي أفضل الأحوال يخفضون عدد العاملين فيها الى الحد الأدنى. بم يفسر ذلك؟ أليس عجزا عن ايقاف الحرب؟ او فشلا في معالجة أسبابها؟ وكيف سينظر العالم لاولئك الكبار بعيدا عن الشعارات العاطفية التي تدغدغ مشاعر الجماهير, والتصدي للهيمنة الأمريكية بالمظاهرات فقط, والتصريحات التي لم تجد مع طاغية العراق ولما تقنعه بالتخلي عن السلطة والسلطان, ولا هي نجحت في اثبات نقيض اتهامات الحلفاء له بانه يمتلك أسلحة دمار شامل, كما لم ينجح أولئك الكبار باقناع الحلفاء او ردعهم عن قرار الحرب. هل هذه الخلافات تنزع فتيل القنبلة الموقوتة في أروقة الأممالمتحدة وأساساته؟ هل يعيد التاريخ سيناريو انهيار عصبة الأمم؟ ألم تكن القوة الإيطالية التي اجتاحت أثيوبيا وانتصارها على مرأى من العالم مدعاة لتقاوض أركان عصبة الأمم 1935م فالعالم يومها كان منقسما مشتتا كما هو اليوم وان اختلفت الأهداف في مسمياتها لكنها تتفق في ان الخلاف انما يكون حول كيفية اقتسام الحصص واقتناص الفرص, وقد سبق انهيار عصبة الأمم وإعلان موتها 1945م انسحابات الأعضاء آنذاك مع اختلاف دوافع الانسحاب وحيثياته من دولة لأخرى, فاليابان تنسحب لان العالم لم يوافقها على غزو إقليم منشوريا, وإيطاليا ايضا التي اتخذت الغزو شرعة ومنهاجا تنسحب من العصبة بعد غزوها لاثيوبيا واستقرار الأمور لها 1936م بعد ان ابتلعت اثيوبيا بالكامل دون رقيب او حسيب, يود ذلك لضعف دول العصبة من جهة, او لان بعض الأقوياء غير راغبين في الفعل الايجابي فاكتفوا بالتنديد. وقد كانت السياسة الفرنسية عاملا في انهيار عصبة الأمم, فهي التي غضت الطرف عن حليفتها ايطاليا وتخلفت عن الموقف الصلب الذي وقفته كل من انجلترا والاتحاد السوفيتي السابق تجاه إيطاليا مما أدى الى تضعضع سلاح العقوبات الاقتصادية التي حكم بها على ايطاليا فذهب اثرها أدراج الرياح. اما الدول العظمى الأخرى فقد كان بعضها خارج عضوية عصبة الأمم كالولايات المتحدة واليابان او انه تعرض للطرد لمخالفته لمبادىء عصبة الأمم كالاتحاد السوفيتي السابق الذي طرد لاعتدائه على فنلندا بنية الغزو فلم ينعم بالعضوية إلا خمس سنوات من 19341939م. الظرف التاريخي اليوم يشهد اختلافات بين أعضاء مجلس الأمن تنذر بانسحابات مماثلة ربما تؤدي الى انهيار الأممالمتحدة. ألم يصف المسؤولون الامريكان مجلس الأمن بمجلس الفاشلين؟ ماذا يعني سحبهم لمشروع القرار الأخير قبل مناقشته واكتفائهم بنبش القرار 1441 واستنطاق مفرداته وتراكيبه لتسوغ مشروعية ما هموا به وحسموه وهو قرار الحرب. ان الأحداث المتلاحقة تحبل بمفاجآت فها هي تركيا تلين الجانب وتعد بنوع من التسهيلات يبقى على مصالحها مع حليفها القوي فهل ننتظر من فرنسا موقفا جديدا؟ اما ألمانيا فتعليقها على خطاب الرئيس بوش قد جاء غائما انشائيا لا يفصح عن موقف فهو لا يسمن ولا يغني من جوع, فالكل يخشى على أرواح الأبرياء فهل يصدر من ألمانيا موقف آخر؟ لقد عودتنا السياسة الدولية ان المواقف ككلام الليل يمحوه النهار فلغة المصالح هي الأقوى حتى لو انهارت الأممالمتحدة.