يتوقع ان يثير اختيار الادارة الاميركية الجنرال السابق، جاي غارنر، لادارة العراق بعد احتلاله، ردودا غاضبة في العالمين العربي والاسلامي، في ضوء ما عرف عن الرجل من تأييد قوي لاسرائيل، التي قام بزيارة تضامنية اليها عام 1998، كما وقع عام 2000 على بيان شهير يدين الانتفاضة ويعلن الالتزام بامن وتفوق الدولة العبرية. وبرغم هذه المخاوف التي يدركها الرئيس الاميركي جورج بوش، الا انه يرى في الرجل الشخص الانسب لتولي مهمة ادارة العراق بعد اطاحة نظام الرئيس صدام حسين، وذلك لعدة اعتبارات لعل اهمها ان غارنر اثبت كفاءة عالية في عملية اعادة الاستقرار الى مناطق الاكراد في شمال العراق عقب حرب الخليج الاولى. ولعل بوش لا يجانب بعضا من الحقيقة في هذه النقطة المحورية، لكن نقاطا اخرى ستتحول ربما الى سوداء في تاريخ ما زال برسم الكتابة، والسبب المرشح لهذا الاسوداد هو علاقته باسرائيل. ولكن بوش على ما يبدو، يضع في اعتباراته مسائل اخرى غير التي يضعها العرب والمسلمون في حساباتهم. وابرز ما يراه بوش في الجنرال المتقاعد، جاي غارنر (64 عاما) هو انه يعرف اكثر من غيره من المسؤولين في الولاياتالمتحدة، التباينات العرقية التي يتسم بها العراق. فبعد حرب الخليج الاولى عام 1991، كان الضابط الذي يحمل اعلى رتبة ضمن المسؤولين العسكريين الاميركيين الذين اشرفوا على اعادة توطين الاكراد الذين كانوا فروا الى الجبال خشية من انتقام القوات العراقية عقب فشل انتفاضة قاموا بها ضد صدام. نجح الجنرال غارنر في اعادة هؤلاء الاكراد باقناعه قوات صدام بالانسحاب، ثم بتحويل بلدة زاخو الى محطة مليئة بالخيام مدهم فيها بالطعام والماء والدواء، وبعدها وفر لهم توصيلة مجانية الى منازلهم. وخلال مرحلة متوترة من هذه العملية التي اطلق عليها (عملية الاراحة)، كان على الجنرال غارنر كبح جموح المليشيات الكردية جيدة التسليح، والتي حاولت افتراس ابناء جلدتها وفرض سيطرتها عليهم. ونجح الرجل بحنكته في اخراج المنطقة الكردية من هذا المازق، ومن مأزق اخرى مماثلة. وبحسب التقارير التي كانت تبثها الصحافة في ذلك الوقت، فقد وصل الامتنان ببعض اللاجئين الاكراد الى حمل الرجل فوق اكتافهم كما لو انه كان مدربا فاز فريقه للتو في مباراة حاسمة. ومن المنتظر ان تصبح هذه الشعبية على المحك قريبا. ويوشك غارنر، وهو صديق مقرب لوزير الدفاع الاميركي، دونالد رمسفيلد، على البروز في المشهد العراقي مجددا. والآن، كلف الرئيس جورج بوش هذا الرجل الذي يحمل على اكتافه خبرة 38 عاما، ادارة كامل العراق تحت امرة قائد العمليات العسكرية الجنرال تومي فرانكس. وفور اطاحة الرئيس العراقي، سيتولى غارنر، بحكم رئاسته قسم اعادة الاعمار والمساعدات الانسانية في البنتاغون، مسؤولية الاشراف على عمليات توزيع الطعام والدواء، وصولا الى ضخ النفط وتطهير البلاد من الموالين لصدام من حزب البعث الحاكم. وهذه المهمة قد تجعل منه مجددا بطلا محليا، او ربما سيحبط الولاياتالمتحدة التي ستحاول ان تثبت للعالم المتشكك ان دبلوماسيتها الفاشلة قبل الحرب لن تعني فشلا في مرحلة ما بعدها. وقد اوضحت مستشارة الامن القومي، كوندوليزا رايس، ومسؤولون آخرون، ان دور غارنر سيكون تمهيد الطريق امام تولي سلطة انتقالية ادارة شؤون العراق. ومن المقرر ان يقسم الجنرال غارنر البلاد فور توليه مسؤولياته فيها الى ثلاثة اجزاء، بحيث ينصب عليها ثلاثة حكام مدنيين اميركيين يتبعون اليه في التشكيلة الادارية المرتقبة. كما سيعين ثلاثة مساعدين، سيتولون ادارة شؤون الاعمار، وشؤون المساعدات الانسانية، وشؤون الادارة المدنية (والمرشحة لهذا المنصب هي باربرة بودين، سفيرة أميركا سابقًا في اليمن). وقبل ذلك، سيقوم بتعيين مجلس استشاري مؤلف من مغتربين، وتكنوقراط عراقيين من الداخل، ولكنهم ليسوا من الموالين لصدام. ولكن مراقبين سياسيين اميركيين يبدون قلقا ازاء علاقات الرجل باسرائيل، والتي يرون انها تجعل منه الشخص غير المناسب لادارة الامور في العراق. ولا يخفى على احد مدى صلة غارنر باسرائيل وتمسكه بدعمها برغم كل الانتقادات التي رافقت ذلك. ففي أكتوبر 2000 وقع على بيان يلقي باللوم على الفلسطينيين في أعمال العنف الإسرائيلي الفلسطيني قائلاً إن كون إسرائيل دولة قوية يشكل دعامة أمن مهمة للولايات المتحدة. وهو كذلك قام بزيارة تضامن الى اسرائيل في عام 1998 على حساب جماعة يمينية تقول إن الولاياتالمتحدة تحتاج إسرائيل قوية في المنطقة لإظهار مدى قوتها فيها. وبالنسبة للبيان الذي وقعه هو وديك تشيني، نائب الرئيس الاميركي، فقد صدر برعاية المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، الذي يتحمل نفقات تنظيم رحلة لضباط الجيش الأميركي المتقاعدين إلى إسرائيل كي يُطلعهم المسؤولون الإسرائيليون على الأوضاع الأمنية. وجاء في البيان الذي وقعه ايضا 42 ضابطًا كبيرًا متقاعدًا روعتنا القيادة السياسية والعسكرية الفلسطينية التي تُعلم الأطفال آليات الحرب، وتملأ عقولهم بالكراهية. وأضاف البيان أن أمن دولة إسرائيل مسألة ذات أهمية كبرى للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وشرق البحر المتوسط، بل وفي أنحاء العالم. إن إسرائيل قوية أساس يستطيع المخططون العسكريون والقادة السياسيون الأميركيون الاعتماد عليه.