الكل يتفق على أن حرب صدام-أميركا هذه حرب إعلامية بالدرجة الأولى، ولقد كشف الإعلام العربي أن مهنته لا تختلف كثيرا عن مهنة الساسة العرب الذين يمتهنون السياسة لإرضاء الجماهير، وليس من أجل الحقيقة. الأميركيون في هذه الحرب تعمدوا التكتم على مجريات سير المعركة، وأدخلوا مفهوما جديدا للمراسلين اسمه المراسل الملحق (EMBEDDED REPORTER)، وحجتهم في ذلك أن الحرب خدعة، وأن المعلومات التي قد يتم تداولها، يمكن للعدو أن يستخدمها في صالحه. الإعلام العربي مارس في غالبيته تصويرا كربلائيا للمعركة، وركز على الضحايا المدنيين العراقيين الذين يسقطون بنيران قوات التحالف، ومارس ازدواجية في معايير الموت والقتل لم يسبق لأحد أن مارسها في وسائل الإعلام، ولكنها تعكس أيضا عقلية ترى أن الموت زؤام بيد الأجنبي، ولكنه رحمة مقبولة يمكن التغاضي عنها إذا ما كانت بأيد عربية، وتغاضت وسائل الإعلام العربية عن الجرائم التي يرتكبها صدام وجنده في حق المدنيين العراقيين، واحتمائه الجبان وراء الأطفال والنساء والعجزة والمدارس والمستشفيات ودور العبادة والأماكن التاريخية، كي يتم قصفها من قبل قوات الحلفاء، فيستخدمها في مناحة الإعلام العربي التي تلطم الخدود وتذرف الدموع على ضحايا التحالف، ولكنها لا تذكر بالمرة، الجرائم التي ارتكبها ويرتكبها النظام في حق شعبه. فجأة صحا الإعلام العربي على الموت الأميركي، وناح وصاح على ضحايا الحملة الأميركية-البريطانية، وتحول إلى بوق مشارك في جريمة اختطاف الشعب العراقي رهينة تحول بين صدام وبين نيران الحلفاء. لم يذكر الإعلام العربي- من قريب أو بعيد- شيئا عن جرائم فدائيي صدام في البصرة ولا الناصرية الآن، ولم يتطرق -حتى كتابة هذا المقال- إلى المذبحة التي تم اكتشافها في الزبير لمئات من الجنود العراقيين الذين أبيدوا برصاص فرق الإعدام التابعة لفدائيي صدام، انتقاما لرفضهم القتال والموت دفاعا عن نظام زائل. لم يأت الإعلام العربي من بعيد أو قريب، على ذكر المساعدات الكويتية التي بدأت تنهال على العراقيين، ورأى في ذلك دعاية كويتية يحاول الكويتيون التكفير من خلالها عن ذنبهم بالمشاركة في التحالف للتخلص من صدام. ولو لم يقم الكويتيون بتلك المساعدات الإنسانية غير المشروطة، لوجدت الإعلام العربي نفسه يركّز على لا مبالاة الكويتيين ووقوفهم موقف المتفرج على جوعى وعطشى العراق المنكوب. إن الإعلام العربي المرئي والمسموع - في غالبيته- يمارس دورا شريكا في جريمة النظام العراقي في حق شعبه، بل لعله مشارك رئيس في هذه الجرائم التي ترتكب بحق هذا البلد الصابر، وصارت الموضة الآن أن تنوح وتصيح دفاعا عن أطفال العراق، ولا أدري أين كان الإعلام من الجرائم التي ارتكبها النظام في حق شعبه وأطفاله طيلة عقود، وكم هي الصورة محزنة حين تظهر لنا الفضائيات العربية موتا أميركيا يختلف عن الموت العربي، فمتى كانت للموت جنسية؟ أو ليست ملة القتل واحدة؟ كان أكثر التمثيليات الفضائية مدعاة للكوميديا السوداء هو صدور قرار من وزارة الإعلام العراقية بوقف مراسلي الفضائية الشهيرة التي لا يختلف اثنان، ولا تنتطح عنزتان على أنها بوق صدّامي مفضوح، ولم تبد وزارة الإعلام العراقية أسباب إيقاف مراسلي تلك القناة، ثم عدلت وزراة الإعلام العراقية عن قرارها بعد أربع وعشرين ساعة- دون إبداء الأسباب أيضاففف وعش رجبا، ترى عجبا! عن الاتحاد الاماراتية