ليس صحيحا ان الفقر يصنع العباقرة, كما انه ليس صحيحا ان الثروة تصنعهم.. العباقرة والادباء والشعراء والعلماء على مدى التاريخ تصنعهم الموهبة ويحقق لهم الجد والاجتهاد طريق النجاح.. ولاشك ان الجد والاجتهاد يحتاجان الى امكانات.. فأنت لا تستطيع ان تكون اديبا دون ان تقرأ, ولا تستطيع ان تقرأ الا اذا كان لديك ثمن الكتاب.. وثمن الورق, والمكان المريح الذي تكتب فيه وتنتج. ولن تستطيع ان تكون عالما دون ان تدرس وتتعلم وتمتلك ادوات العمل. الولاياتالمتحدة دولة كبيرة تمتك آلاف العلماء والمفكرين والمبتكرين والادباء والشعراء لانها توفر لابنائها المعرفة.. والمعرفة هي طريق الابداع.. والاتحاد السوفيتي سقط وركع تحت اقدام الغرب لان اقتصاده المنهار لم يمكنه من مواصلة الطريق. والاديب السوداني المعروف الطيب صالح يقول (ان الثروات لا تنتج ابداعا) وانا اقول له (ان الفقر لا ينتج ابداعا) وسيدنا علي بن ابي طالب يقول: (لو كان الفقر رجلا لقتلته) وذلك لان الفقر يقتل الكرامة.. ويقتل المعرفة, ويحطم النفوس.. والبطن الجائع يعطل العقل. ولو اننا اتينا بشخصين اثنين, احدهما فقير لا يملك وسيلة الدراسة والعلم والمعرفة, وآخر توفرت له امكانات الدراسة والاطلاع والمعرفة.. فأيهما يمكن ان يكون اقرب الى الموهبة والابداع؟. وايهما يمكن ان يعطي ويبدع؟ ولو ان اديبنا الطيب صالح لم يجد الفرصة في العمل في اذاعة لندن, وعاش في بيئة وفرت له ان يقرأ ويطلع ويشتري الكتب, هل كان يمثل ما اصبح عليه من قدرة على الابداع؟ لا ادري اي عقدة تحكم تصرفات بعض الذين يدلون بآرائهم وكأنهم يرون الخليج بدوله واهله وابنائه يتمرغون في الذهب والحرير. ان الخليج قد صنع بثرواته مجتمعا من المثقفين والعلماء والدارسين.. وضم بين ابنائه قادرين ومتوسطي الدخل وفقراء.. واستطاع ان يصنع بأمواله آلاف المصانع والمدارس وعشرات الجامعات.. وبين ابنائه ادباء وشعراء ومؤرخون واطباء وعلماء.. وهؤلاء جميعا مكنتهم الثروة من الوصول الى هذه المستويات, وجعلتهم يكافحون ويعملون لتحقيق المجتمع العامل.. الذي خط بجهده طريقا الى التقدم. لقد كنا نحسب ان عقدة البعض من ثروة الخليج قد انتهت, خاصة ان هذه الثروة قد عمته وشملت وافادت الجميع.. ولو اراد الطيب صالح ان يقارن بين الذين افسدتهم الثروة, في الخليج وغير الخليج, فليدرك ان ارقام الاموال التي خرجت تهريبا من بعض الدول العربية الفقيرة هي ضعف ما لدى اهل الخليج في البنوك الاجنبية والتي خرجت استثمارا لا تهريبا.. ان الفساد يا اديبنا السوداني لا علاقة له بتوافر الاموال, وانما علاقته الكبيرة بعدم توافر الضمير.. والضمير يقتله الحرمان.. وتسعده الوفرة التي نحمد الله عليها. @@ أعز إنسان عندي الذي يدخل في قلب اي اديب او عقله, يصيبه الفزع! فالاديب في اعماقه جنون.. وهو جنون يعمل وينشط ويبرز ويتحرك في سعات الابداع, فيصبح غير طبيعي, ولا يحسن التعامال معه في هذه الاوقات! وهو في هذه الاوقات ممتلئ بذاته.. لا يرى في الدنيا سواها, ولا يعترف الا بها, ينطلق بلا منافس, ويدرك انه وحده الاديب الاوحد بغير حدود! تلك طبيعة الاشياء, يعرفها غير الادباء وغير الفنانين وغير المبدعين في اي مجال من مجالات الحياة, فالعامل الذي يصنع كرسيا لن يحسن صنعه ولن يجيد عمله اذا دار بخلده ان هناك من يستطيع ان يصنعه بشكل افضل, والمدرس الذي يشرح الدرس لطلابه لن يكون قادرا او مقنعا اذا طاف بذهنه من يشرحه احسن! فلماذا نظلم الادباء والمبدعين, ولماذا نحسبهم دون الآخرين مغرورين؟ ولماذا عندما نتكلم معهم نطلب منهم التواضع وهم يفهمون اكثر.. ونحسبهم سذجا وهم يدركون ما تتحرك به نفوسنا وما تنفعل به وجوهنا؟ ان مدار ابداعهم فهم النفوس وتحليلها.. والاديب عندما يقرأ لاديب آخر فهو يقرأ العمل نفسه ولا يرى صاحبه.. وهو يواجه ابداعا ولا يواجه شخصا.. وهو ينفعل بما يقرأ ولا يفتعل منافسة مع احد.. واقصى ما يتملكه من شعور ان يتمنى ان يكون هو صاحب العمل والاديب الذي يغار كراهية وحقدا على اديب اخر هو انسان ضعيف لم يدخل بعد دنيا الابداع كما ان الحب لا يعرف الكراهية. إن الابداع كالأمومة قلبها كبير والجميع ابناؤها وقريبون الى قلبها والابداع كالوطنية, فالذي يحب وطنه لا يكره الاوطان الاخرى, بل يأخذ منها ما يجعل وطنه اجمل.. واقوى.. واروع.. وبشكل عام فان صاحب المهنة الذي يكره زملاء مهنته ويحقد عليهم, لن ينجح في مهنته, لان الكراهية لا تنتج ابداعا, ولا تترك مجالا للانتاج والتفوق. لقد قال تولستوي يوما عن ديستوفيسكي (انني لم أر الرجل في حياته ولكنني بعد ان مات احسست بأنه كان اعز انسان عندي.. بل كان ضرورة من ضروريات الحياة). انه اديب حقا.. اديب صادق.. اديب يدرك الحقائق صافية كما هي.. ولو ان ديستوفيسكي قال رأيه في تولستوي, لقال نفس الكلام. اضاءة: @ كان الرسام فان جوخ يريد ان يرسم الشمس, وزميله جوجان يبحث عن ضوء القمر, لذلك عاشا معا في قمة التناقض, ولا يعلم كلاهما انهما في طريق واحد.. هو البحث عن المجهول. (سيمون برنار) @ لابد ان تحب اعداءك, فهم يقولون عنك ما ليس فيك, فيظهرون اباطيلهم, وتظهر حقيقتك امام نفسك على الأقل. (جنكيز خان)