أعرب عدد من الخبراء والمحللين السياسيين في مصر عن تخوفهم من مخاطر امتداد الأزمة التي تشهدها العراق بعد انهيار نظام صدام حسين. وأكدوا أن العراق هو نقطة الانطلاق الأمريكي نحو تغيير الأنظمة العربية وفقا لاتجاهات اليمين الأمريكي المتشدد الذي سيطر على الإدارة الأمريكية الحالية والذي يهدف إلى فرض الولاياتالمتحدةالأمريكية هيمنتها ليس فقط على المنطقة العربية ولكن على العالم اجمع. وطالبوا بضرورة العمل من خلال منظومة عربية مشتركة للاستفادة من الدروس والعبر والأزمات التي مرت بها الأنظمة العربية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية لتجنيب المنطقة أي مخاطر قادمة. وشددت ندوة نظمتها جمعية الاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع حول الآثار السياسية لغزو العراق على أهمية اتجاه الأنظمة العربية نحو بناء نظام ديمقراطي حقيقي والبعد عن الأنظمة الديكتاتورية التي اثبت الواقع العملي أنها لا تدوم ولا تحميها القوة العسكرية وقد تجسد ذلك في نظام صدام حسين مع ضرورة اتفاق العرب على أن ما أصاب الأمة العربية هو نتيجة لما أصابها من خلل في البناء الديمقراطي بعد أن ألصقت الإدارة الأمريكية تهم الإرهاب بها . كما شددت على أهمية عدم مجابهة الولاياتالمتحدةالأمريكية والعمل على ايجاد نقاط التقاء معها وذلك على اعتبارها التي تقود العالم أحادى القطبية. عاملان أمريكيان فقد أشار الدكتور حسن نافعة - أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية - إلى أن ما تشهده المنطقة كان نتيجة لحدثين على جانب كبير من الأهمية أولهما صعود اليمين الأمريكي الذي بدأ في عهد ريجان وانتهى ببوش الابن فمنذ وصول رونالد ريجان على رأس الإدارة الأمريكية وهو الرئيس الذي يرجع إليه البعض فضل انهيار الاتحاد السوفيتي وذلك بعد أن أقنعه اليمين بموضوع حرب الكواكب والنفقات الدفاعية التي خصصتها الإدارة الأمريكية وهو مالم يستطع الاتحاد السوفيتي مجاراته بالفعل لان حرب الكواكب كانت تعكس تقدم أمريكا عليه من حيث التكنولوجيا وبالتالي فان ضخ الاتحاد السوفيتي لمثل هذه الأموال من شأنه الحد من تنفيذ وعود الرفاهية وقد نجحت هذه الاستراتيجية في انهيار الاتحاد السوفيتي خاصة مع وصول قيادات شابة مثل جورباتشوف لتبقى الولاياتالمتحدة هي قطب الزعامة على العالم. وثانيهما أحداث سبتمبر 2001 التي غيرت التفكير الأمريكي وأعطاه زخما على نطاق واسع كي تفعل بالعالم ما تريد معتبرة ذلك انه نوع من الدفاع عن النفس خاصة وأنها حدثت بعد شهور قليلة من وصول الإدارة الحالية إلى البيت الأبيض وهى الأحداث التي واكبت وصول اليمين في إسرائيل وعلى رأسه شارون وهو الأمر الذي أدى إلى وجود ما يشبه الاتفاق بين اليمينين في الولاياتالمتحدة وإسرائيل. دور شارون وأكد نافعة أن شارون قد نجح في إقناع الإدارة الأمريكية بان المنطقة العربية بها اكثر من بن لادن وصور الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات على انه نموذج لاسامة بن لادن وانهما نموذجان لا يختلفان عن تنظيمي حماس والجهاد وأصبحت قضية إسرائيل والولاياتالمتحدة هي قضية التشدد الاسلامي بكل فروعه. لماذا العراق ؟ وأشار إلى أن العراق لم يكن هو المقصود بذاته وانما هو يرتبط بالمفهوم الإستراتيجي الأمريكي الرامى للهيمنة على المنطقة كما أن العراق سيحقق للإدارة الأمريكية هدفين في آن واحد فالعراق دولة غنية وبها قاعدة صناعية وبالتالي فان نفط العراق يعطي الولاياتالمتحدة التحكم في التدفقات النقدية أما الهدف الثاني فهو لصالح إسرائيل ويتلخص في فرض التسوية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية بالشروط الإسرائيلية خاصة وان شارون يحاول استغلال الظروف للتفرد بالقضية الفلسطينية. فجوة عربية وأوضح نافعة انه لا يوجد اتفاق عربي على تشخيص الأزمة التي تمربها الأمة العربية فهناك فجوة بين إحساس الشعوب وموقف الحكومات العربية التي تنظر إلى الأزمة بوجهات نظر مختلفة ما بين منظور العلاقات مع أمريكا وما بين الحساسية ضد صدام حسين وهو التشخيص الذي لازم الأمة العربية حتى في ظل النكبات التي مرت بها من نكبة عام 48 ونكسة 67 وأزمة نقل الجامعة العربية وانسلاخ مصر عن العرب عام 79 ثم أزمة عام 90 عندما غزا العراقالكويت في حين أن الأزمة الأخيرة تختلف كثيرا عما واجهته الأمة من مشاكل سابقة لأنها تخدم الوجود الإسرائيلي في قلب المنطقة. منطق القوة وأكد الكاتب الصحفي محمد سيد احمد أن الأحداث التي شهدتها العراق عكست حالة جديدة وصورة مختلفة للقانون الدولي الذي يتطور بشكل لم يعد يعطى سيادة الدولة حقها كما كانت عليه من قبل فهناك أمور كثيرة عملت على اختلال مبادئ القانون الدولي منها التطور العلمي والتكنولوجي الذي كان له تأثير مباشر على طبيعة العلاقات الدولية التي لم تعد تعترف إلا بمنطق القوة وهى الظاهرة التي بدا عليها العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والتي تحمل في طياتها القوة وبالتالي استسهلت الولاياتالمتحدةالأمريكية الضرب والدخول بالقوة في شئون أمن أي دولة تراها مارقة عليها. وأشار سيد احمد إلى انه في فترة ما بعد انتهاء النظام ثنائي القطبية ظهر شعار جديد على العلاقات الدولية وهو حل الخلافات بالطرق السلمية خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وفى نفس الوقت ظهرت طرق أخرى هي ازدواجية المعايير حتى على القضايا المتشابهة ففي المشكلة الفلسطينية والصراع الفلسطيني مع إسرائيل تنظر إليها أمريكا من منطلق الحل السلمي افضل أما في حالة العراق فالقوة العسكرية هي الحل من وجهة نظرها وأمام هذه الإشكالية التي تسيطر عليها القوة ظهرت مدرستان سياسيتان ترى الأولى أن التعامل مع الإدارة الأمريكية لابد أن يكون في إطار الواقعية والتسليم بالأمر الواقع والثانية ترى انه لابد من المجابهة والتي من الممكن أن تأخذ شكلا من أشكال التطرف والعنف. محور جديد وأوضح سيد احمد أن ابرز ما ستكشف عنه أحداث العراق هو بروز محور جديد إسرائيلي أمريكي عراقي وهو المرسوم الذي يخدم مصالح إسرائيل بالدرجة الأولى وهو ماعبر عنه شارون في تصريحات له من انه يرى أن الظروف أصبحت مواتية لاستكمال مفاوضات السلام لان الحرب كشفت النقاب عن الضعف العربي وعن موازين القوة التي تتسم بها أمريكا وإسرائيل وإذا صح هذا المحور فان ذلك يعنى إمكانية توسيع العمليات لتشمل دولا غير العراق منها سوريا وايران ولبنان. وماذا يفعل العرب ؟ وشدد على ضرورة أن تعمل الدول العربية من خلال عمل عربي مشترك من اجل عدم السماح للولايات المتحدةالأمريكية بان تفرض مزيدا من سيطرتها على المنطقة خارج إطار الأممالمتحدة حتى لاينتهى الأمر لصالح إسرائيل التي تملي الشروط التي تراها في صالحها من اجل الاجهاز على القضية الفلسطينية. هوية صدام وأوضح السفير جمال بيومى أن ما حدث في العراق يثير العديد من التساؤلات حول طبيعة شخصية صدام حسين ما بين كونها خائنة مقابل رشوة وما بين كونها مغفلة وقال ان ما انتهى إليه صدام لم يكن متوقعا على الإطلاق وكان متوقعا أن يقاوم إلى أن يطلق الرصاصة الأخيرة على رأسه بنفسه إلا أن ما حدث غير ذلك تماما ليؤكد أن ما حدث في العراق هو نتيجة لتراكمات ظالمة في العراق ونتيجة لنظام غير سليم وهو الأمر الذي أدى لسقوطه بهذه الدرجة وما يجب على الدول العربية عمله هو عدم تكرار هذه المأساة مرة أخرى. وتطرق السفير بيومي إلى قضية المقاطعة العربية للبضائع الأمريكية وقال ان المقاطعة لم يثبت الواقع أنها كانت سلاحا فعالا في وجه الولاياتالمتحدةالأمريكية ولا حتى إسرائيل وذلك لاعتبارات اقتصادية منها ضعف الصادرات العربية إلى الولاياتالمتحدة بالرغم من أنها دولة مستهلكة وبالتالي فان أي مقاطعة لبضائعها لا يعنى خسارة لها بقدر ماهى خسارة للسوق المحلى الذي لم يعد ينتج بالدرجة الكافية كما انه لم يصل إلى حد الاكتفاء الذاتي ومن ثم فانه لابد أن يعتمد على الاستيراد . وأوضح أن الحديث عن الأموال العربية التي يتم استثمارها في الخارج وإمكانية منعها من أسواق أمريكا لا مبرر له لأنه إذا كانت هناك 800 مليار دولار يتم استثمارها في الخارج وهو مايعتبره البعض خسارة للسوق العربية فان غزو صدام للكويت عام 1990 قد ألحق خسائر بالعرب لا تقل بحال من الأحوال عن 100 مليار وان أي خسائر اقتصادية شهدتها المنطقة كان النظام العراقي مسئولا عن جزء كبير منها. وأكد بيومي انه ليس من مصلحة العرب مهاجمة المنظمات الدولية والعربية لأنها لم تخفق فيما أوكل إليها من أعمال خاصة الجامعة العربية التي لم تمنح أي صلاحيات للحلول بعد أن تحول دورها إلى مجرد سكرتارية اجتماعات. العرب يواجهون كارثة وأشار إلى أن العرب يواجهون كارثة وان الحل ليس في مقاطعة السلع الأمريكية بقدر ما هو في إصلاح الأنظمة العربية ذاتها وبقدر ما هو في نقاط الالتقاء بين الدول العربية وهو ما يجب البحث عنه خاصة في ظل الهزيمة العربية التي كان النظام الساقط نظام صدام حسين يتحمل مسئوليتها. انهيار النظام الدولي وأكد الدكتور أسامة الغزالى حرب رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية أن النظام الدولي الحالي الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية قد انهار لان واقعة غز العراق تضاف إلى وقائع أخرى مثل انهيار الاتحاد السوفيتي وغزو الكويت وغير ذلك من الأزمات كما أن الأزمة العراقية كشفت إلى أي مدى فعالية مؤسسات المجتمع المدني التي ظهر دورها واضحا قبل الحرب. وأشار الغزالى إلى أن هناك تغييرات حقيقية على المستوى الدولي والإقليمي فهناك تفاوت بين الأهداف المعلنة للحرب من بدايتها وأهدافها الحقيقية التي تتلخص في البترول العراقي وحماية أمن إسرائيل وإعادة تشكيل المنطقة في ضوء ما حدث في سبتمبر 2001 وهو ما يقودنا للمستوى الداخلي للأنظمة العربية فلم يتم الحديث عن النظام الديكتاتوري العراقي في عهد صدام والذي كان يمثل عملية انتهازية لأمريكا التي ساعدت كثيرا على وجوده واستفحاله إلا أنها بعد أحداث سبتمبر وشعورها بان الخطر الذي يهدد أمنها من تلك المنطقة التي كانت تعمل على تقويتها في الماضي جعلها تنقلب عليها وقررت أن يكون العراق نقطة البداية. مكسب للعرب والعراق وأكد الغزالى أن القضاء على نظام صدام كان مكسبا للعالم العربي وللشعب العراقي الذي لم يختر نظام صدام ولم تكن لديه القدرة على تغييره لولا التدخل الأمريكي فإسقاط نظام صدام يعد انجازا للشعب الذي كان غائبا عن اذهان الكثيرين ممن يتحدثون عن التدخل الأمريكي والهيمنة الأمريكية على المنطقة ذلك الشعب الذي قتل النظام الصدامى منه مليون بالإضافة إلى تهجير 4 ملايين آخرين.