ان الشعور العام بعدم كفاية القواعد التقليدية للقانون الدولي، وضرورة العمل على وضع مجموعة من النظم والاليات المستحدثة بغرض الحد من النزاعات الدولية المسلحة ومنع الحروب، والحفاظ على استقرار الامن الجماعي الدولي، وانهاء كل اشكال الاستعمار، والعمل على وجود درجة من التوازن الاقتصادي الدولي، ومواجهة ما طرأ على المجتمع الدولي من مشكلات حديثة كمشكلات استخدامات الطاقة النووية ونزع السلاح، والفضاء الخارجي وحقوق الانسان والبيئة، كل ذلك كان دافعاً لانشاء هذه المنظمة، وما يرتبط بها من منظمات دولية متخصصة، كخطوة رئيسية على طريق التنظيم الدولي. واذا كان التنظيم الدولي يعد الغاية المثلى التي تسعى اليها المنظمات الدولية، بهدف الارتقاء بالمجتمع الدولي إلى مرتبة المجتمعات القانونية كاملة التنظيم، وتكامل العناصر الاساسية للقانون الدولي، بما يعني توافر كل من السلطة التشريعية التي تضع القواعد القانونية الملزمة، والسلطة القضائية التي تضطلع بالفصل في المنازعات الدولية بموجب احكام تتمتع بقوة الشيء المقضي ووجوب التنفيذ والسلطة التنفيذية القائمة على توقيع الجزاء الذي يتقرر بمقتضى الاحكام القضائية على كل من يخالف او يخل بأحكام القانون الدولي ومبادئه الاساسية، الا ان منظمة الاممالمتحدة التي جسدت - بحق - احدى مراحل التطور الهامة في طريق الوصول إلى التنظيم الدولي وارست مجموعة من القواعد المتكاملة في مجالات مختلفة، قد ثبت فشلها في معالجة العديد من المسائل المتصلة بالمحافظة على استقرار السلم والامن الدوليين. ولقد كان للطبيعة المعقدة للنزعات الدولية والتوازنات المتغيرة وحركة الاستقطاب الدولي اكبر الاثر على الاليات التنفيذية والاجرائية لمجلس الامن في اداء مهامه الرئيسية في حفظ السلم والامن الدوليين، كما كان لاقحام الاعتبارات السياسية في تحديد المعايير التي يتم على اساسها اتخاذ قرارات مجلس الامن في هذا الشأن، اثار سلبية خطيرة حتى ان البعض قد اكد ان استمرار هذا الوضع سيفقد هذه المنظمة هيبتها ومكانتها في الاوساط الدولية، وان صرح الاممالمتحدة سيؤول - حتماً - إلى الضعف. ولما كانت قرارات هذا المجلس لا تقوم على اساس من العدل والانصاف او احكام القانون، بل تقتصر على وضع تسوية سياسية للنزاعات الدولية، اضافة إلى استحالة اتخاذه اجراءات للردع او القسر من اجل تنفيذ قراراته دون موافقة الدول الخمس دائمة العضوية، والتي تتمتع بحق النقض (الفيتو) فقد اصبح ذلك المجلس مجرد ساع إلى ممارسة دور توفيقي، بين اعضائه الدائمين للحصول على اجماعهم ورضاهم المشترك، وهو الامر الذي وصفه الفقيه الاستاذ الدكتور عز الدين فودة، بانه عادة ما يكون اجماع الاراء فيه اتفاقاً مزيفاً لا يضع معياراً واضحاً من المصلحة العامة للسلام العالمي وانما قد يصبح موضوعاً لخلاف جديد، وفي حاجة إلى الاتفاق حول تفسيره او تعيين الغموض فيه باتفاق جديد. ولقد اثارت مواقف مجلس الامن، ازاء العديد من المنازعات الدولية المسلحة، العديد من التساؤلات التي تتصل بطبيعة الدور الذي يقوم به هذا المجلس في مجال حفظ السلم والامن الدوليين، والتي يأتي على رأسها: 1- ما الضوابط المنظمة لسياسات ومواقف مجلس الامن؟ 2- ما المعايير المحددة لما يمثل تهديداً للسلم والامن الدوليين؟ 3- مدى مشروعية احتكار مجلس الامن للدور المهيمن على ما يتصل بأمن وسلم المجتمع الدوليين؟ واذا كانت الاهمية الفائقة لقرار مجلس الامن رقم 867 (1991) والذي تضمن الزام العراق واجبارها على قبول اجراءات نزع اسلحة ذات الدمار الشامل، وقد اثار العديد من الموضوعات التي تجاوزت ابعاد الازمة العراقية الكويتية وما اتخذه المجلس من اجراءات وتدابير، الا انها قد تجاوزت ذلك إلى بحث مدى مصداقية مجلس الامن ازاء تطبيق حكم الفقرة (14) من القرار 687 (1991) في شأن اعتبار نزع اسلحة الدمار الشامل العراقية خطوة لإخلاء منطقة الشرق الاوسط من تلك الاسلحة، وانشاء منطقة خالية من الاسلحة النووية بها، خاصة ان لهذه الفقرة آثارا امنية وسياسية واستراتيجية على استقرار الامن والسلم في منطقة الشرق الاوسط بما ينعكس على الامن والسلم الدوليين بشكل عام، على وجه الخصوص، وذلك في ضوء الزعم الامريكي ببزوغ فجر نظام دولي جديد يحتكم إلى الشرعية الدولية خاصة ان للولايات المتحدةالامريكية هذه الهيمنة والسيطرة على مقاليد الامور داخل مجلس الامن وموقفاً منحازاً إلى السياسة الاسرائيلية وامدادها بهذه الترسانة الهائلة من اسلحة الدمار الشامل التي تمثل تهديداً واضحاً للامن القومي العربي، بل وللسلم والامن الدوليين. يقول الباحث الدكتور عمرو بيومي في رسالة الدكتوراة التي قدمها إلى كلية الحقوق جامعة القاهرة تحت عنوان (مخاطر اسلحة الدمار الشامل الاسرائيلية على الامن القومي العربي، دراسة في ضوء انهيار مصداقية مجلس الامن في ظل النظام الدولي الجديد المزعوم). ان الدراسة تنقسم إلى بابين، نتناول في اولهما مناقشة مصداقية مجلس الامن نحو اعمال حكم الفقرة 14 من القرار 687 (1991) وفي الثاني نناقش مخاطر عدم اعمال حكم الفقرة 14 على ان يسبق هذين البابين فصل تمهيدي نتعرض فيه وبايجاز شديد مجمل ما تضمنه قرار مجلس الامن رقم 687/1991 إلى جانب التعريف باهم المصلطحات التي سوف ترد في هذا البحث. يقول الباحث واذا كان لا يوجد تعريف محدد لاسلحة الدمار الشامل غير ان لجنة الاسلحة العادية قد اصدرت تقريرها الاول بتاريخ 12 اغسطس 1948 وقد حددت اسلحة التدمير الجماعي التي تخرج عن اختصاصها بما يلي: 1- الاسلحة البيولوجية (بكتيرية، جرثومية، فيروسية: وهي الاسلحة التي يستخدم فيها الكائنات الحية (فيروسات، بكتريا، فطريات، او سمومها) وذلك لاحداث الوفاة او اضعاف القدرة البشرية او الحيوانية او الزراعية في مسرح العمليات الحربية او ضد الجبهة الداخلية. 2- الاسلحة الكيماوية (الغازات الحربية السامة والخانقة): وهي الاسلحة ذات التركيب الكيميائي في اشكال المادة المتنوعة بتأثيرها الضار او القاتل والملوث للكائنات الحية والافراد والبيئة. 3- الاسلحة النووية: وهي تلك الاسلحة التي تستخدم الذرة ومكوناتها في احداث التدمير الشامل، وتتنوع إلى: ذرية وهيدروجينية ونيترونية. وعلى ذلك خلص البعض إلى تعريف اسلحة الدمار الشامل بانها تلك الاسلحة التي تحتوي على قوة تدميرية واشعاعية وحرارية كوسية لافناء او احراق او تلويث الكائنات الحية وسحق مظاهر الحياة في منطقة الانفجار وما حولها. اما المفهوم الواسع لمصطلح نزع السلاح، فقد ظهر في اعقاب الحرب العالمية الثانية، حيث اصبح الهدف من نزع السلاح هو محاولة الحد من النزاعات المسلحة وتقليل مخاط الحروب، والعمل على اضعاف قدرتها التدميرية وبخروج هذا المصطلح عن نطاقه الضيق في اطار المعنى الحرفي لنزع السلاح، ظهر مصطلح الرقابة لى الاسلحة arms control الذي اعتبر مرحلة تمهيدية تهدف إلى اعداد المناخ الملائم لنزع السلاح عن طريق اتفاقيات لخفض التسليح او منع انتشار الاسلحة عالية التدمير او اقامة نظام لخفض التسلح والرقابة المتبادلة في هذا الشأن. واستطرد الباحث إلى اثر النزاعات القائمة في منطقة الشرق الاوسط على درجة سباق التسلح قائلاً: لقد كان من الطبيعي ان يكون للتسلح انعكاس واثر واضح لوجود النزاعات بين دول منطقة الشرق الاوسط اضافة إلى تعدد المخاطر التي تتهدد هذه الدول من القوى الدولية المحيطة بها، التي ترى في هذه المنطقة ساحة رحبة لممارسة نفوذها طمعاً في تلك الاهمية الاستراتيجية والاقتصادية التي تتمتع بها هذه الدول في الاطار الجغرافي لمنطقة الشرق الاوسط. غير ان سباق التسلح في هذه المنطقة قد ارتبط ارتباطاً وثيقاً بأهم واخطر تلك النزاعات التي تهدد امن وسلامة هذه المنطقة بشكل مستمر والذي يتمثل في النزاع العربي الاسرائيلي، وفي ذلك يرى خبراء الاستراتيجية العسكرية ان سبق التسلح في منطقة الشرق الاوسط قد ظهر مع بداية نجاح المخطط الصهيوني في غرس الوجود اليهودي الاسرائيلي في ارض فلسطين منذ ما قبل عام 1948 في حين ظلت الدولي العربية محكومة بما يسمح ان يعطيه لها الغرب من معدات عسكرية واسلحة، فان صفقة الاسلحة التي ابرمتها مصر عام 1955 مع تشكيوسلوفاكيا ومن قبلها الصفقة التي ابرمتها سوريا مع الاتحاد السوفيتي كانتا سبباً في فتح باب التسلح على مصراعيه في الشرق الاوسط. فلقد زادت حدة سباق التسلح بشكل لم تشهده المنطقة من قبل وتحولت دول المنطقة إلى سوق لمختلف انواع الاسلحة، واصبحت شعوبها حقلاً لتجارب الاسلحة الجديدة وابتلع ذلك السباق نسباً عالية جداً من الدخل الاقتصادي لدول المنطقة وصل في بعض الاحيان إلى اكثر من 20% من الدخل القومي، وكانت الفترة الزمنية التي تفصل بين كل حرب واخرى لا تزيد في المتوسط على سبع سنوات. ومع اشتداد حدة النزاعات القائمة بين دول المنطقة، التي غالباً ما تكون بمثابة انعكاس واضح ودليل قاطع على عنف ذلك النزاع، إلى الدرجة التي رأى معها البعض ان امن واستقرار منطقة الشرق الاوسط سيظل فترة طويلة قادمة معرضاً لمخاطر عواقب تدفق نظم التسليح المتطورة والحديثة بجميع مستوياتها كانعكاس واضح لسياسات القوى الاقليمية التسليحية. ولا شك في ان المصالح الاقتصادية للدول الكبرى والمتقدمة في صناعة السلاح قد وقفت إلى جانب تلك الاسباب الفاعلة في تصعيد عملية سباق التسلح في منطقة الشرق الاوسط اضافة إلى اتفاق ذلك مع رؤيتها السياسية والاستراتيجية في ازكاء بعض الحروب التي تحقق نتائجها مصالح خاصة لتلك الدول الكبرى، والتي كان من اهمها حرب الخليج الاولى بين العراق وايران في اطار منهج السياسة الامريكية الذي حرف بسياسة الاحتواء المزدوج وهو ما تقطع به وتؤكده التقارير الرسمية وتصريحات المسئولين في تلك الدول ومدى الدور الذي قامت به في تصدير الاسلحة إلى دول العالم وخاصة منطقة الشرق الاوسط لتحقيق اهداف اقتصادية وسياسية في ان واحد. فلقد اعلن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن ان حجم الميزانيات الدفاعية لدول الشرق الاوسط قد وصل إلى 56 مليار دولار عام 1997 بزيادة نسبتها 5% على العام الاسبق، وان دول الشرق الاوسط هي اكبر مستورد للسلاح، وبالنسبة للدول المصدرة للاسلحة جاءت الولاياتالمتحدة في المركز الاول بمبيعات قدرها 21 مليار دولار لترفع حصتها في سوق السلاح العالمية إلى 45% وارتفعت مبيعات بريطانيا لتحتل المركز الثاني وتليها فرنسا. كما اكد السير تشارلز ميسفيلد رئيس منظمة خدمات الصادرات في وزارة الدفاع البريطانية هذه الحقيقة بقوله: ان حجم مبيعات الاسلحة البريطانية إلى دول الخليج بلغت العام الماضي 3.5 بليون دولار من اجمالي المبيعات البالغ 8.1 بليون دولار، وان 43% من مبيعات بريطانيا العسكرية في الخارج اتجهت إلى مجموعة دول مجلس التعاون الخلجيي، بل لم يخجل سفير الولاياتالمتحدةالامريكية في دولة قطر من ان يعلن صراحة ان واشنطن تبني في قطر اكبر مخزن للسلاح الامريكي خارج الولاياتالمتحدة. ومما سبق يتضح، ان منطقة الشرق الاوسط تشهد جهوداً عالية الكثافة في مجال سباق التسلح، سواء على صعيد واردات السلاح او على صعيد برامج التحديث العسكري الوطنية، حيث تستحوذ منطقة الشرق الاوسط على حوالي ربع صادرات السلاح في العالم، كما حافظت المنطقة طيلة عقد التسعينيات على هذه النسبة من واردات السلاح التقليدية، وقد ساعد على ثبات هذه الدرجة من استيراد السلاح حرص الدول الكبرى المصدرة على اثارة مخاوف بعض دول المنطقة او احداث قلاقل لفتح اسواق السلاح في هذه المنطقة التي يتمتع البعض فيها بثراء فاحش وقدرة على دفع اثمان الاسلحة، على حين يضطر الاخروان إلى ضغط ميزانياتهم الاقتصادية او الاقتراض لشراء تلك الاسلحة من هذه الدول الكبرى. غير ان الامر لا يقف عند سباق التسلح بين دول منطقة الشرق الاوسط في مجال الاسلحة التقليدية، ولكن مخاطر انتشار الاسلحة ذات الدمار الشامل خاصة الاسلحة الكيماوية والبيولوجية التي لا تحتاج إلى درجة عالية من التقدم في الصناعة العسكرية، إلى جانب امتلاك العديد من دول منطقة الشرق الاوسط لوسائل ايصال تلك الاسلحة ومنظومات متعددة من الصواريخ بعيدة المدى، كل ذلك جعل سباق التسلح يأخذ بعداً خطيراً ومؤثراً على امن واستقرار منطقة الشرق الاوسط وجعل من الضروري ان يكون السعي باتجاه اخلاء هذه المنطقة القلقة من اسلحة الدمار الشامل سعياً مخلصاً، وليس كما يجسده الموقف الامريكي الاوروبي بضمانه لامن اسرائيل وتفوقها العسكري على محيطها الجغرافي العربي والاسلامي الذي يمثل احد اهم ركائز احتكار هذه الدولة لاضخم ترسانة نووية في الشرق الاوسط ومنظومة متطورة جداً من اسلحة الدمار الشامل حيث اعتمدت اسرائيل بجانب ذلك على اساليبها الخاصة ذات السلوك العدواني الصريح والفج التي كان من ابرزها ضرب القدرات النووية العربية التي ترى في تقدمها خطر عليها، بما في ذلك اغتيال العلماء العرب في هذا المجال، او غيرهم ممن يقدمون هذه الخدمة العلمية اليهم، واتباع اساليب التهديد والارهاب والضغط على الدول العربية للحيلولة دون تسلحها بما يخل بمعادلة التفوق المستقرة لصالحها. وانتهت الدراسة بخاتمة تؤكد لنا مدى انهيار مصداقية مجلس الامن في تطبيق حكم الفقرة 14 من قراره رقم 687 (1991) الذي اكد فيه اهتمامه بان تكون عملية نزع اسلحة الدمار الشامل العراقية بمثابة خطوة باتجاه اخلاء منطقة الشرق الاوسط من هذه الاسلحة، وقد ربط ذلك بما جاء في ديباجة القرار بشأن اهمية انضمام الدول الاعضاء في منظمة الاممالمتحدة إلى المعاهدات الدولية الخاصة بحظر انتشار اسلحة الدمار الشامل بكافة انواعها، لاتصال ذلك باستقرار السلم والامن الدوليين ثم كان للوقوف على حقيقة الوضع الامني القلق في منطقة الشرق الاوسط والناتج عن الاهمية السياسية والاستراتيجية الفائقة لهذه المنطقة وما تعج به من نزاعات دولية متباينة والانتشار الكثيف لاسلحة الدمار الشامل بين بلدانها، خاصة ذلك الوضع الاستثنائي والفريد الذي تجسده حيازة اسرائيل واحتكارها لترسانة ضخمة من الاسلحة النووية اكبر الاثر في الكشف عن مدى الاهمية القصوى لحكم الفقرة 14 من ذلك القرار، نحو نزع اسلحة الدمار الشامل من هذه المنطقة واخلائها من الاسلحة النووية، وهو الامر الذي اكدت على ضرورته غالبية الدول فيها، واظهر بعضها اصراراً واضحاً على نجاح مبادراتها في هذا الشأن. كما لم يخف حجم المخاطر والتهديدات الامنية القائمة في منطقة الشرق الاوسط نتيجة لعدم انضمام اسرائيل لمعاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية، ورفضها المستمر جميع المبادرات والدعوات الصادرة في اطار حثها على فتح منشآتها النووية للتفتيش والمراقبة لاجهزة المنظمات الدولية ذات الصلة، واخصها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في الوقت الذي تعلن فيه جميع دول المنطقة خاصة الدول العربية التزامها التام بتلك المعاهدة، وتقبل بخضوع منشآتها النووية للرقابة والتفتيش من قبل هذه الوكالة الدولية، الأمر الذي يجسد تهديداً لامن واستقرار دول المنطقة لا سيما الدول العربية التي هي محل دائم للاعتداءات الاسرائيلية منذ انشاء دولة اسرائيل باساليب القتل والارهاب واغتصاب الاراضي العربية حتى اليوم بدعم من الدول المسيطرة على مقاليد الامور في المجتمع خاصة الولاياتالمتحدةالامريكية. ولقد اتضح لنا كيف انحصر موقف مجلس الامن ازاء تطبيق حكم الفقرة 14 من القرار 687 (1991) ومدى مصداقيته في ذلك، في مجموعة من المبادرات الدولية التي صدرت عن بعض من الدول دائمة العضوية به، حيث تضمنت عددا من الاحكام المشتركة في مسائل ضبط التسلح وتخفيض حدته، والتحكم بعملية تصدير الاسلحة التقليدية إلى مناطق المنازعات الدولية، خاصة منطقة الشرق الاوسط، اضافة إلى التأكيد على توسيع عضوية المعاهدات الدولية الخاصة بعدم انتشار واستحداث اسلحة الدمار الشامل وامكانية انشاء منطقة خالية من هذه الاسلحة في الشرق الاوسط. غير انه قد اتضح لنا من خلال القراءة الموضوعية لهذه المبادرات، كيف انها اظهرت توجهاً اساسياً مفاده عدم التعرض للوضع الاحتكاري النووي الذي تجسده اسرائيل في المنطقة وكذلك عدم انضمامها إلى معاهدة عدم انتشار الاسلحة النووية، في الوقت الذي مارست فيه تلك المبادرات نوعاً من الازدواجية في المعايير، عندما دفعت باتجاه نزع اسلحة الدمار الشامل من دول المنطقة واكدت على اهمية انضمامها إلى المعاهدات الدولية ذات الصلة، دون أي اشارة لتفرد اسرائيل بامتلاك السلاح النووي واحتكارها له. واذا كان العديد من الدول الاعضاء في مجلس الامن قد اكدوا على الاهمية الخاصة لحكم الفقرة 14 من القرار 687 (1991) اثناء مناقشة مشروع ذلك القرار، حتى ان بعضهم قد ربط عملية نزع اسلحة الدمار الشامل العراقية بمضمون حكم هذه الفقرة، مؤكداً على اهمية ذلك في تحقيق الامن والسلم في منطقة الشرق الاوسط، واثر ذلك على استقرار الامن والسلم الدوليين، فان احجام وتراجع مجلس الامن عن تطبيق حكم تلك الفقرة في ظل المخاطر والتهديدات التي يمثلها التفوق التسليحي لاسرائيل واحتكارها للسلاح النووي وتهديد جيرانها في المنطقة باستخدامه ضمن اعتداءاتها المستمرة على الدول العربية وعدم خضوع قدراتها النووية للرقابة والتفتيش الدولية، يشكل ازدواجاً في المعايير التي يتعامل بها ذلك المجلس واهداراً لمسئوليته الدولية كجهاز قائم على حفظ السلم والامن الدوليين. ولقد ظهر مدى فقدان المجلس لمصداقيته في اداء الدور والمهام المتوصلة له في هذا الشأن الذي يجسد انعكاساً واضحاً للخلل القائم في آلياته التنفيذية وسيطرة فئة قليلة من اعضائه دائمي العضوية فيه على مقاليد الامور الدولية، وذلك بما يحقق مصالحها الذاتية واهداف حلفائها، الامر الذي يمثل اخلالاً بالامن والسلم الدوليين واهداراً للشرعية الدولية وكشفاً لمدى زيف النظام الدولي الجديد المزعوم، الذي في ظله تهيمن الولاياتالمتحدةالامريكية على مجلس الامن، وتعمل على تطويع وتوجيه قراراته بما يخالف احكام الشرعية الدولية، ويحقق مصالح ذاتية خاصة اهدافا سياسية للادارة الامريكية وذلك باستغلالها الامتياز الذي تتمتع به الدول الكبرى الخمس دائمة العضوية بمجلس الامن، والمتمثل في حق النقض (الفيتو) والذي ثبت اساءة استغلاله من قبل هذه الدول لتحقيق اهدافها ومآربها السياسية بعيداً عن ارادة المجتمع الدولي.