"انا والثورة العربية نبحث عن عمل في شوارع باريس نبحث عن غرفة نتسكع في شمس ابريل ان زمانا مضى وزمانا يجيىء قلت للثورة العربية: لابد ان ترجعي انت اما انا فانا هالك تحت هذا الرذاذ الدفيء" قبل ثمانية وعشرين عاما كتب الشاعر احمد عبدالمعطي حجازي هذه المقطوعة الشعرية التي يكمن ابداعها في اقتناص الحالة، قبل اي شيء اخر، تلك الحالة هي عدم القدرة على الفعل، والتي تعادلها (البطالة) التي هي عدم القدرة على العمل. اظن ان حجازي، لو كتب هذه المقطوعة في هذه الايام لغير فيها كثيرا، ومن جملة ما يغيره انه يقول: "انا والامة العربية نبحث عن عمل في شوارع كل المدن" عدم القدرة على العمل، او عدم وجود العمل اي (البطالة) حالة قاسية بدون شك، ولكن بطالة (الامة) وعدم قدرتها على الفعل، الذي يعني شلل قيمها عن التوهج، وعجز مفاهيمها عن التحقق، واختفاء طموحاتها، وهوانها.. كل ذلك وغيره، يشكل قسوة مرعبة تخر من هولها الجبال. الامة العربية الآن تعيش في حالة بطالة فكرية، وعقلية، ووجدانية، واقتصادية. ان كل ما تفكر فيه اصبح اما خارج الزمن، او لا تستطيع تحقيقه، ولا تعرف اليه منهجا او طريقا. لماذا كل هذا؟ قد تموت الارادة في الفرد، ويخبو الطموح فيه، وتغيم في عينه الطرق الى اي هدف، ولكن ان يحدث ذلك في امة بكاملها، فهذا الذي يحتاج الى معجزة لفهمه. اهو ارث من تاريخنا الدموي؟ أهو ضمور الكرامة حتى صار (ما لجرح بميت ايلام) اهو، اهو؟ لا احد يدري. لا، بل لا احد يفكر.