لم تؤهل العامية في أي عصر من العصور لتكون لغة أدب وفكر تأليفا وكتابة , لأن نطاقها محدود ومجال التعبير بها ضيق ودائرة انتشارها لا تتعدى الإقليم الواحد في البلد الواحد , وهي قاصرة عن أن تضارع الفصحى في التعبير عن الخلجات والأفكار والحقائق والآراء , فهي لغة العوام والطبقة غير المتعلمة والفصحى لغة العلم والأدب والثقافة , وعلى امتداد التاريخ العربي والإسلامي كله لم نر أحدا بالعامية أنتج بها أدبا وعلما , وأي كاتب أو شاعر يود لكتابته أو شعره أن ينتشر بين الناس ويطلع عليهما القريب والبعيد فهو يكتب لقاعدة عريضة من قراء الحرف , والعامية لا تتيح له وسيلة النجاح والانتشار لأنها أداة قاصرة محدودة , فاختيارها وسيلة التعبير يجعل المتلقين لكلمته المتأثرين بها قلة قليلة لا تفسح له مجالا في سجل التاريخ , ويطلب من الكاتب والشاعر أن يرتفعا بوعي الناس وثقافتهم ويهذبا أذواقهم وعواطفهم ولا يسلكا سبيل التملق بالهبوط الى درك دهمائهم , ان الكتابة بالعامية عقوق للفصحى والدعوة الى الكتابة بها دعوة الى إقليمية ضيقة والى تقوقع على الذات وانطواء على النفس, الشعوب الواعية تبحث دائما عن منافذ لنشر ثقافتها وأدبها وإصداراتها وتبذل طاقتها في تجويد ما تصدره وتنشره بين الناس في الداخل والخارج. واللغة هي اداة التوصيل والتواصل فمتى كانت معروفة كان النجاح.. ومتى كانت لهجة مغمورة كان الفشل والخذلان , وإننا نتطلع الى أن تكون لنا مكانة مرموقة على هذا الكوكب بما نملكه من علم وأدب وثقافة وتأثير في الحضارة العالمية ومن أولى خطوات الطريق في ذلك الاعتزاز بلغتنا العربية لغة القرآن الكريم ولغة التراث ولغة الحضارة الإسلامية والقضاء على ازدواجية اللغة , وحصر اهتمامنا بالعامية وأدبها الشعبي في الدراسات التي تهتم بتأثرها بالفصحى في الصيغة والدلالة وفيما تحمله إشارات تاريخية واجتماعية تسهم في تدوين تاريخ هذه البلاد , وحينما نذكر العامية في هذا الوضع نقصد بها العامية القديمة التي غزتها العامية الحديثة منذ أربعين سنة , وغيرت ألفاظها ودلالاتها , وأسقطت الكثير منها لغياب مدلولاتها عن الحياة. @@ ساير صالح المطيري الرس