كان بين هان، الباحث السابق في طب العيون في جامعة كاليفورنيا وزجته وابناه البالغان من العمر تسعا و14 سنة، يشاهدون فيلم (الحديقة الجوراسية - 3) في المنزل عندما جاء الشرطي حاملا مذكرة تفتيش. وعثر الشرطي في الثلاجة على 20 قارورة (صمغ) بيولوجي يستعمل في اختبارات الخلايا الجذرية تخص مختبر جامعة كاليفورنيا. وقبل ايام كان المختبر قد طرد هان من عمله بعد اتهامه بسوء التعامل مع ثلاثة فئران تستعمل في التجارب. هان هو احد اربعة علماء من اصل آسيوي ادخلوا السجن مؤخرا بعد اتهامهم بسرقة مواد بحثية قيمة خلال عملهم في مختبرات امريكية. واعترف عالم خامس في شهر أيار الماضي انه كذب على مكتب التحقيقات الفدرالي (أف. بي. إي) بغية التستر على زميل له قيل إنه سرق ابحاثا تتعلق بمرض الزهايمر قيمتها مليونا دولار. غير ان معظم الاتهامات الموجهة الى هان والآخرين خفضت او شطبت. ويواجه هان - الذي اتهم اصلا بثلاث مخالفات جنائية، تهمة سرقة من مستوى جنحة. وفتحت الاعتقالات نافذة على قطاع يقول خبراء انه غارق في اعمال التجسس وتهريب الأسرار التجارية الامريكية وعلى قانون امريكي يعجز عن عمل أي شيء ازاء تلك الاعمال. من جانب آخر تقول جماعات امريكية - آسيوية ان الاعتقالات هي من نفس نوع الخوف المبالغ فيه من المنافسة الآسيوية والذي اتسمت به حملة الملاحقة الحكومية ضد وين هولي، الامريكي الصيني الأصل الذي اتهم في العام 1999 باستنساخ معلومات حساسة تتعلق بالأسلحة النووية في مختبر لوس الاموس الوطني. ومع ان لي ابقي في السجن الانفرادي مدة تسعة اشهر فالتهمة التي وجهت اليه اقتصرت على تفريغ معلومات كمبيوترية بصورة غير شرعية. وقد قاضت وزارة العدل الامريكية 47 شخصا في 34 قضية منذ ان اقر الكونغرس قانون التجسس الاقتصادي في العام 1996. وشكل متهمون آسيويون ربع المتورطين في تلك القضية. وتقول الجماعات الامريكية - الصينية ان بعض تلك لا تحدو كونها اعمال عنصرية عدائية من النوع الذي تعرض له علماء من اجل صيني على الدوام. ويقول ايفي لي استاذ علم الاجتماع المتقاعد ورئيس لجنة العمل الامريكية - الصينية، وهي احدى الجماعات التي احتجت على الاعتقالات الاخيرة: لا يسع المرء الا ان يتساءل عن الدوافع وراء الاتهامات. وبالنسبة للنيابات العامة يعتبر تحضير مثل هذه الدعاوى عملا صعبا للغاية فهي لا تحتاج الى اثبات العزم على الارتكاب الجرمي فحسب بل والى اجراء تحقيقات واسعة من قبل عملاء ضليعين في التقنيات البيولوجية والمجالات العلمية الاخرى. ويضيف غرين ان النيابات العامة الفدرالية ترفض قضايا عديدة لانها ذات صلة بخلافات في الأعمال والافضل حلها امام المحاكم التجارية. وهنا قضايا اخرى تتعقد بسبب تردد الشركات عن اللجوء الى المحاكم لتلافي اثارة مخاوف المساهمين والايحاء للمنافسين بوجود مشاكل لديها. وثمة عوائق اضافية في الصناعة البيوتكنولوجية حيث تجرى الابحاث الرئيسية في المختبرات الجامعية التي كثيرا ما تشجع التدفق الحر للمعلومات العلمية. والشركات البيوتكنولوجية اكثر عرضة من غيرها للسرقات المهنية لان الأسرار الفردية - مثل مجرد معرفة موقع عدد ضئيل من الجينات المهمة - هي مفتاح تطوير ادوية كاسحة. وقد ثبت ان فضح وادانة الجواسيس في هذا المجال في غاية الصعوبة. ولعل ليست هناك قضية تبرز الصعوبات والتحديات على نحو أفضل من حادث جامعة كاليفورنيا في دايفيس والقوارير التي صودرت من الثلاجة في منزل هان. ويقول المسؤولون في الجامعة ان قيمة تلك القوارير في الأيدي الصالحة تبلغ المليار دولار. وقد ابلغ المسؤولون الشرطة انهم يعتقدون ان هان كان يستعد للعودة الى وطنه الأصلي الصين لتأسيس شركة بيوتكنولوجية بالأغراض المسروقة من الجامعة. وعندما اكتشفت الشرطة ايضا ان هان لديه بطاقة سفر الى الصين قرر المحققون انهم امام قضية تجسس اقتصادي. وبناء على ذلك اعتقل هان ووجهت اليه التهم الجنائية الثلاث التي لوثبتت لارسلته الى السجن لمدة 25 سنة. وقد احتجز في السجن الانفرادي دون كفالة 18 يوما. ولكن هان هو خارج السجن اليوم بعد ان ابطلت الاتهامات الموجهة اليه على ان يحاكم بجنحة السرقة. وتبين ان لدى هان تفسيرات بريئة لمعظم تصرفاته. اذ قال انه وضع القوارير في الثلاجة لانه لم يكن لديه الوقت الكافي لأخذها الى الجامعة يوم تسلمها من شركة للتكنولوجيا الاحيائية في ساكرامنتو، وانه طرد من وظيفته قبل ان يتاح له تسليم القوارير للمختبر. اما بطاقة السفر الى الصين فهي لرحلة ذهاب واياب كان يستعد لها منذ وقت طويل لزيارة والديه وكانت العائلة ستبقى في دايفيس حيث يملك المنزل. ويصر المسؤولون في جامعة كاليفورنيا في دايفيس على ان لا علاقة للعنصرية بقضية هان، وهم مصرون ايضا على ان هان سرق ممتلكات الجامعة. وفي قضية اخرى وافق الادعاء في بوسطن على ارجاء النظر في قضية تجسس اقتصادي ضد كايوكو كيمبارا وجيانغزو جو ريثما يتم التفاوض معهما للاتفاق على ادانتهما في مخالفات اخف وطأة. ومن الامور المعقدة بالنسبة للمدعين العامين هو ان الاثنين اللذين اعتقلا في شهر حزيران الماضي متهمان بسرقة جينات يعود لهما فضل اكتشافها. ويقول المتهمان انه من عادة العلماء ان يأخذوا عملهم معهم عندما ينتقلون من شركة - او جامعة - الى اخرى. ووجهت الى كيمبارا وهو ياباني وجو صيني الاصل تهمة ارسال الجينات الى شركة يابانية للتكنولوجيا الاحيائية، الا انهما موقعان على اتفاقية تمنح جامعة هارفرد ملكية اي اكتشاف يحققانه خلال عملهما هناك. وقال الاثنان ان هدفهما كان متابعة الابحاث وليس تحقيق أي مكاسب مالية. وجاءت هذه القضية بعد قضية اخرى في مستشفى كليفلاند حيث اسقطت تهم التجسس الاقتصادي ضد هيرواكي سيريزاوا خبير ابحاث مرض الزهايمر مقابل اعترافه بالكذب على الأف. بي. آي. من اجل التستر على تاكاشي اوكاموتو، زميله الياباني الموجود حاليا في اليابان حيث يقاوم محاولات ترحيله الى الولاياتالمتحدة. اوكاموتو هذا متهم بسرقة واتلاف قوارير مواد وراثية مهمة جدا لأبحاث مرض الزهايمر من مستشفى كليفلاند واخذها معه الى مؤسسة ريكين للابحاث التي ترعاها الحكومة اليابانية. وقد ادت السرقة واتلاف المواد الى الغاء الابحاث ذات الصلة في الجامعة.