أن عملية التقديم والتأخير في القرآن الكريم فيها لطائف منها: اللطيفة الأولى: قدم القرآن الملائكة على الإنسان في قوله( لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) وقوله ( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم) من باب التقديم الزمني؛ فإن الملائكة خلقوا قبل الإنس، وهذه الأسبقية واضحة في قصة خلق آدم. ( بدائع الفوائد). اللطيفة الثانية: قدم القرآن الجن على الإنس غالباً في وقوله ( يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم) وقوله ( قال أدخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار) وقوله ( ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس) وقوله ( وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس) وقوله ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وقوله ( يا معشر الجن والإنس أن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فأنفذوا) من باب التقديم الزمني، ويدل على ذلك قوله ( ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون* والجان خلقناه من قبل). ويلاحظ في هذه الآيات أن تقديم ذكر الجن يأتي دائماً في سياق الوعيد والتهديد، وإقامة الحجة. فإذا جاء التشريف قدم الإنس كقوله ( خلق الإنسان من صلصال كالفخار* وخلق الجان من مارج من نار) وقوله ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان) لأن الإنس اشرف من الجن، بدليل أن الأنبياء منهم. قال ابن القيم: لكنه قدم الإنس على الجن في قوله ( لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان) لأن الإنس يعلمون طمث المرأة أكثر من الجن، فخوطبوا به قبل الجن. وقدم الإنس في قوله ( وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباًُ) لأن الإنس قبل الجن في التصديق والتكذيب بالتوحيد، فحكى الجن ذلك على الترتيب الزمني. وأيضاً: فإن الجن الذين قالوا هذا الكلام قدموا ذكر الإنس لئلا يظن قومهم بهم أنهم قد ظاهروا الإنس على مخالفتهم، فبينوا أن من الإنس من هو مكذب كالجن. ( بدائع الفوائد). وقدم الإنس في قوله ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن) لأن أول من يكذب الرسل الإنس، ولأنهم أبلغ تأثيراً على الناس من شياطين الجن، لمخالطتهم لهم. اللطيفة الثالثة: قدم القرآن الظلمة على النور في قوله ( وجعل الظلمات والنور) وقوله ( أم هل تستوي الظلمات والنور) وقوله ( ولا الظلمات ولا النور)، لتقدمها في الزمان. فالأصل هو الظلام والطارئ النور. والظلمة نوعان حسية وعقلية، والدليل على تقدم الظلمة الحسية في قوله ( والليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون)، وقوله ( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق في ظلمات ثلاث) ظلمة الرحم، وظلمة البطن، وظلمة المشيمة. والدليل على تقدم الظلمة المعنوية في قوله ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) والجهل ظلمة تنقشع بنور العلم. ( بدائع الفوائد). اللطيفة الرابعة: قدم القرآن العزيز على الحكيم في قوله ( ويزكيهم أنك أنت العزيز الحكيم) وقوله ( فاعلموا أن الله عزيز حكيم) وقوله ( ولو شاء الله لأعنتكم أن الله عزيز حكيم) وقوله ( وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم) وقوله (يأتينك سعياً وأعلم أن الله عزيز حكيم) وقوله ( لا إله إلا هو العزيز الحكيم) وغيرها كثير في (47) آية في القرآن الكريم؛ لأسباب: الأول: لأنه عز فلما عز حكم، وهو من تقديم السبب على المسبب. الثاني: لأن العزة كمال القدرة، والحكمة كمال العلم، وظهور آثار القدرة أقرب للحس من آثار العلم فقدمه. الثالث: لأن الحكمة غاية الفعل، والقدرة إيجاده، فقدم الوسيلة على الغاية. ( بدائع الفوائد). الدكتور: عصام الحميدان أستاذ مساعد بقسم الدراسات الإسلامية والعربية في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.