من كثرة الكلام.. أحن الى الليل عندما يصمت كل شيء. وفي الليل اتوقف عن الكلام وتتملكني هواجسي واحلامي الصغيرة وابدأ في معالجة او محاولة اطفاء الحريق في داخلي تارة بالصلاة وتارة ارطب وقتي بطريقتي وحيدا اصعد الى اعالي السحب واتكئ على وسائد بيضاء واحضن النجوم والقمر وارى من خلف شرفتي طيورا ووجوها وعيونا تلمع في الظلام واستقبل الهواء نقيا وأندثر واغمض عيني حتى لا تهرب احلامي مني واسمع عبدالوهاب في (الليل لما خلي) وام كلثوم في (قصة الامس) ومحمد عبده في (لا تجرحني جرحك العام ما طاب) واندس ما بين عيني وحلمي وبيني واشهق واغرق حتى اذني وانسى الدنيا باسرها واسخن اطرافي كالثلج وارعد وابرق وابحر والموج الهادر لا يرعبني واتذكر عينيها فابكي وجدائلها فأصعد من تحت الماء وكانها طوق النجاة كل هذا يدفعني ان اتناول بعضا من دمعي فأكتب به ويكتب بي. وعندما يأتي الصباح امزق كل اوراق الليل وانصرع في الضوضاء واللهب والحريق واكتب عن الطريق والبعوض وعرق الجباه ومنغصات الحياة فالناس تود ان ترى وجوهها على الجرائد.. لا وجهي.. واحلامها لا احلامي.. وفي عيون الصحو هذه انسى كل مالي واتذكر كلما لهم فاقف في طوابير العناء والتعب معهم. فهذا شاب يبحث عن عمل.. وآخر يغط في نوم عميق بعد الظهر من فرط اليأس وتلك فتاة تخرجت من الجامعة منذ سنين وهي تتسلى عبر الهاتف منذ زمن لان ليس لديها ما تفعله وذلك اب يركبه الهم والغم ومطالب العيال.. وأم تصرخ عند رأس ابنها الشاب.. قم ياولدي ابحث لك عن عمل. وآخر حل عليه ايجار المنزل وهو يضرب كفا بكف كيف اسدد حقوق الناس وهم لم يدفعوا لي مرتبي وام تصرخ من خلف الباب في اذن زوجها لا تنس حاجات الاولاد والمقاضي قبل ما تروح تجيب البنات من المدرسة وفي خضم كل هذا ابحث عن احلامي الزرقاء والبيضاء والعصافير الملونة فلا ارى ولا اسمع الا صخبا وضجيجا واصواتا اضناها التعب وانسى دموع الليل لأكتب بدموع النهار.