محنة القانون الدولي وغيبته من اخطر الاشياء التي ادت وستؤدي الى مزيد من الفوضى والبلطجة في العالم، فبرغم تحقيق مكاسب للانسانية بصفة عامة من خلال وجود منظمة الاممالمتحدة ومن وضع مبادىء ادت الى استقرار القانون الدولي، من حق تقرير المصير وحق الشعوب في اختيار النظام السياسي والاقتصادي الذي يناسبها بارادتها الحرة ومن مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الاخرى، الا ان انفراد الولاياتالمتحدةالامريكية بالتربع على القمة اطلق برؤسائها لخرق قواعد القانون الدولي. يعد القانون الدولي وهو صمام امان الشرعية الدولية ومنها شرعية الغاب وبغيبته سوف تحمل الدول كلها بما فيها الدول التي اخترقته ويلات الخراب والدمار. والتاريخ يؤكد ان الايام دول ومن الصعب ان يدوم شيء واحد طوال الوقت، من منطلق ازمة القانون الدولي والحلول والادوية التي يشفى الدمار من العالم.. كان ل (اليوم) هذا الحوار مع السفير عصام الدين حواس مندوب مصر الاسبق في الاممالمتحدة لمناقشة هذا الموضوع وملفات الساعة والقضايا العربية. مأزق القانون الدولي @ من البديهي ان يكون سؤالي الاول وهو اين الشرعية الدولية في ظل الانتهاكات الخطيرة لها من معظم المناطق في العالم من فلسطين الى افغانستان الى القضايا الداخلية المتعلقة بالدول وانفراد ارادة واحدة بتطبيق القانون الدولي؟ عصام حواس: الشرعية الدولية في مأزق حقيقي فهناك استغلال للقوة وقد استسلمت الى شريعة الغاب وما تشهده على الساحة من مواقف مختلفة يؤكد ان الشرعية الغاب هي القانون فالذي يملك القوة يفرض سياسته ويعطي لنفسه الحق في تطبيق ما يراه من قوانين، وان ما حدث في القانون الدولي هو امر جديد وخطير واصبحت الامور الداخلية التي تعارف القانون الدولي بأنها اختصاص كل دولة على حدة اصبحت تنتهك بواسطة دول اخرى، فمنذ تحلل الاتحاد السوفيتي الى دويلات وتفكك المجتمعات الغربية والمعسكر الاشتراكي وسيادة النظام السياسي الديمقراطي وتطبيق نظام اقتصاد السوق الحر وتغير امور داخلية كثيرة في كل دول العالم، وتزايد ذلك الامر بعد توقيع اتفاقية الجات والاتجاه ناحية العولمة الاقتصادية والاجتماعية. إسرائيل والقانون الدولي ويضيف مندوب مصر الاسبق في الاممالمتحدة ان اسرائيل رقم واحد في خرق القانون الدولي، فقد استغلت الاوضاع الدولية ووصفت كل عمل بأنه ارهابي واصبح ما يقوم به الفلسطيني من شهادة هو ارهاب فلسطيني وان ما تقوم به اسرائيل هو دفاع عن الشرعية الدولية. @ اليوم: من المسئول عن انهيار الشرعية الدولية، وهل كان سبب سقوط الاتحاد السوفيتي سبباً قوياً لانهيار تلك الشرعية؟ وما موقف العرب ودول العالم الثالث من هذا الموضوع؟ * عصام الدين حواس: المسئول عن انهيار الشرعية الدولية هو الدول التي تعطي ظهرها للشرعية الدولية وتستخدم القوة في حل المشاكل مع ان استعمال القوة في حل الصراعات ضد القانون الدولي يتعارض مع الفقرة الرابعة من المادة الثانية من ميثاق الاممالمتحدة التي تنص على انه يمتنع اعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستخدام القوة او استخدامها ضد سلامة الاراضي او الاستقلال السياسي لاية دولة، كما يتعارض مع نص الفقرة الثالثة من نفس المادة التي تنص على ان يقضي جميع اعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والامن الدولي عرضة للخطر. وعن سقوط الاتحاد السوفيتي، يقول حواس ان سقوط الاتحاد السوفيتي قد يكون سببا من انهيار الشرعية الدولية، وان كان الانهيار نتيجة اسباب تتعلق بالنظام الشيوعي التي بدأت دوله من التحلل دول الكتلة الشرقية مع بداية مظاهرات العمال في بولندا، إلا ان الولاياتالمتحدة والغرب عموماً هو المستفيد الاكبر من هذا السقوط. وكان من الممكن ان يؤجل انهيار الشرعية الدولية لو تمت مساندة من الدول العربية ودول العالم الثالث، ولكن مع تقهقر الوضع العربي وظروف حرب الخليج ساهمت بشكل او بآخر في انهيار الشرعية الدولية، واثر بالسلب على المصالح العربية. وقد تكون هناك فرصة لتقوية الدور العربي ودول العالم الثالث لو دخلت في تكتلات سياسية مثل كتلة عدم الانحياز وتكامل اقتصادي يقف امام الشركات عابرة القارات والتي اصبح من غير الممكن لدولة بمفردها ان تعيش بمعزل عن الاعتماد على القوى الدولية والاقليمية. خرق القانون الدولي @ اليوم: هل لا يوجد في القانون الدولي ما يحميه من الاختراق خاصة بعد مضي خمسين عاما على وجود منظمة الاممالمتحدة، ونقاط الضعف وامكانية معالجتها؟ * عصام الدين حواس: القانون الدولي ما زال في المهد ويحتاج الى عقود واجيال وربما الى قرون ليحقق ما موجود فيه، ويوجد ما يحميه من ذاته، ولكن ما زال الدور ضعيفا لسيطرة لغة القوة، فبالرغم من أن القرن الماضي شهد منظمتين دوليتين عصبة الامم من الحرب العالمية الاولى، ومنظمة الاممالمتحدة التي انشئت لتفادي اخطاء عصبة الامم، فالمبادىء الاساسية موجودة ولكن التطبيق يخضع لمنطق القوة فهناك نص يمنع التدخل في الشئون الداخلية للدول، وهناك انتهاك من دولة بذاتها للقانون الدولي، وقد تكون هناك نقاط ضعف مثل حق الفيتو الذي اسس استخدامه بشكل كبير، وهناك اقتراحات منذ سنوات بضرورة تعديل ميثاق الاممالمتحدة خاصة المتعلق بحق الفيتو وزيادة الاعضاء الدائمين بمجلس الامن. @ اليوم: وهل لم تكن هناك العقول السياسية والقانونية التي تستوعب مثل هذا الضعف خاصة ان حق الفتيو اصبح السيف المسلط على الشرعية الدولية؟ * حواس: المسألة مسألة توازن فليس كل ما تريده تستطيع ان تحققه الافكار خاصة في المجال السياسي، فقد عملت الدول الكبرى على ان تكون لها ميزة دولية وهو ما حدث ولكن بلا شك ادى الى تردي هيبة الاممالمتحدة وفقدها كثيراً من قيمتها الحقيقية، فكيف لنا ان نفسر قرارات المنظمة المتعلقة بقرار الانسحاب الاسرائيلي عام 1957م المتعلق والخاص بانسحاب وقف العدوان حتى بمشاركة الولاياتالمتحدة، فتقف المنظمة عاجزة عن التنفيذ. @ اليوم: ما دور الدول العربية المساهم في تفعيل القانون الدولي، وكيفية الاستفادة من القانون الدولي لحل مشاكلنا العربية، والاوراق الدولية التي في يد العرب؟ * عصام الدين حواس: لدى الدول العربية منظمة امم مصغرة "جامعة الدول العربية" فلو اعطيت تلك الجامعة صلاحيات قوية استطاعت ان تلعب دورا بارزا يخدم القضايا العربية، فلو كان العرب صرحاء اكثر من هذا لحصلوا على مكاسب دولية كبيرة، وللحق ان للعرب دورا كبيرا على الحضارة الاوروبية والعالمية وآن الأوان ان تستعيد هذا الدور، فيجب ان تحدد الدول العربية مواقفها من مشاكلها وان تكون هناك اهداف وارادة سياسية واضحة، نحن للاسف فشلنا في اقامة علاقات قوية لاننا لن نحل قضية الملف العراقي الكويتي رغم مرور 12 عاما فكان لا بد من حل مشكلة هذا الملف وتعرية الامور كاملة وتعهدات للمخطئ بعدم العودة الى مثل هذا الامر، كما اننا للاسف لم نقم علاقات اقتصادية عربية قوية وعطلنا حتى مشروع الهيئة العربية للتصنيع، وبرغم من اننا في مأزق حقيقي الا اننا نمتلك أوراقا كثيرة للخروج من هذا المأزق اهمها الوحدة العربية السياسية والاقتصادية وتكتل عربي مثل التكتلات الموجودة في العالم، ومع وجود قناعة سياسية بأهمية الوحدة السياسية والاقتصادية وهذا لا يعني التحدث عن اشكال دستورية بقدر ما يعني التحدث عن وحدة الهدف.