لا شك ان أي متابع لما يجري على الساحة العالمية في أيامنا الراهنة لابد أن يلحظ بكل جلاء (حتى وان كان مغمض العيون) ان امتنا العربية الاسلامية تعيش البدايات الأولى من فصول نكبة جديدة تضاف الى رصيد نكباتنا التي ما انفكت تسطر سجل تاريخنا منذ سقوطنا المرير في الأندلس وحتى الآن. فمن مسلسل الاستعمار الذي نشب اظافره في جسد أمتنا وأعاقها ردحا من الزمن عن ممارسة دورها الحضاري الإنساني، ثم ضياع فلسطين خلال أربعينيات القرن المنصرم بعد مؤامرة يهودية فلسطينية وما تبعها من قرار التقسيم، فحرب 48 التي انتهت بهزيمة مريرة وضعتنا أمام واقع الوجود الصهيوني على أرض فلسطين العربية، مرورا بهزيمة يونيو 67م التي لم نتفق الى الآن على تسميتها والتي ضاعت بسببها البقية الباقية من ارض فلسطين، فغزو العراق للكويت وماتمخض عنه من تداعيات قضت على البقية الباقية من كل آمالنا في قيام نظام أمني عربي فالهجمة التي يتعرض لها العرب والمسلمون بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وأخيرا وليس آخرا هذه (المؤامرة) التي تحاك ضد القدس عروبة، وتاريخا، وانسانا. ... لسناهنا بصدد تدوين تاريخ الانتهاكات الاسرائيلية (لزهرة المدائن) فهوتاريخ يفترض أن نكون قد حفظناه عن (ظهر قلب) منذ التاريخ الحزين لسقوط المدينة في يد الجنرال موشي دايان عقب هزيمة 67م، إلا أن الجديد على الساحة الآن تلك المؤامرة (الاسرائيلية الأمريكية) ممثلة في ضغوط (الكونجرس الأمريكي) على حكومة بوش بنقل سفارتها للقدس مما يعني اعترافا منها بالقدس (عاصمة لإسرائيل). ... فبعد مطالبات لم تكل أو تمل للكونجرس الامريكي بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب الى القدس واعتبارها عاصمة لإسرائيل جاءت (فصول المؤامرة) التي صيغت بخبث ليس جديدا على عقلية بني صهيون عندما نص تشريع أمريكي صادر عن الكونجرس خال الأيام الماضية. ... فمن خلال مشروع قانون عام لوضع الميزانية السنوية لوزارة الخارجية يشمل جميع دول العالم، ويمنح الإدارة الامريكية المال اللازم لإدارة السياسة الخارجية جاء موضوع (القدس) الذي وان لم يشكل سوى جزء صغير من بنوده الا انه (عزف منفرد واضح) على الوتر القديم. ... فالتشريع ينص على ضرورة أن يكون اتصال القنصلية الأمريكية في القدس بالسفير الأمريكي وان تذكر الوثائق الأمريكيةالقدس كعاصمة لإسرائيل وان تنص شهادات ميلاد الأمريكيين المولودين في القدس على انهم مولودون في اسرائيل صحيح ان البيان المرفق بالتوصيات نص على أن تعتبر الادارة هذه الأحكام استشارية فقط، إلا أننا يجب ألا نغفل ان (وراء الأكمة ما وراءها). فبعد تصريحات ريتشارد باوتشر المتحدث باسم الخارجية الامريكية عن تجاهل ادارة الرئيس بوش لتعليمات الكونجرس بتغيير أسلوب تعاملها مع مدينة القدس بدعوى أن تلك التعليمات ليست سوى توصيات غير ملزمة.. و(إن واشنطن لاتزال ترى ان وضع القدس يجب أن يتحدد خلال محادثات الوضع النهائي بين الاسرائيليين والفلسطينيين).. وان الادارة الأمريكية تعارض دوما أي اجراء تشريعي من شأنه عرقلة صلاحيات الرئيس فيما يتعلق بالنهوض بمصالحنا في المنطقة ونشر سلام عادل ودائم... وان القنصلية الأمريكية في القدس تواصل الاتصال المباشر مع واشنطن وليس عبر السفير الأمريكي لدى اسرائيل كما هو منصوص عليه في التشريع... إلا أنه استدرك ذلك التصريح (برمي حصاة) كما يقولون عندما قال: (ان الأمر متروك للبيت الأبيض في تحديد طريقة التعامل مع القرار، وبعدها جاءت تصريحات رجل البيت الأبيض التي لم تعكس ذلك الموقف بوضوح. ... صحيح ان الرئيس جورج بوش قد ذكر في البداية أن ادارته لن تلتزم بالقانون الجديد انطلاقا من (الحق الدستوري) الذي اعطى للرئيس الحق للاعتراض على قرار الكونجرس إلا أن الرئيس كان له رأي آخر. ... فبعد خبر نقلته وكالة رويترز للأنباء عن مسؤول أمريكي وصفته بالكبير قوله ان البيت الأبيض سيصدر في وقت لاحق بيانا يقول فيه: إن مشروع القانون (يعكس مشاعر الكونجرس) حيال الأمر لكنه ليس بالضرورة ملزما للسياسة الخارجية الأمريكية. ... جاء خبر تال نقل عن مسؤول أمريكي آخر أكد فيه ان الرئيس جورج بوش قد يوقع على قانون يلزم الادارة الأمريكية باعتبار مدينة القدس عاصمة لإسرائيل وهو ما حصل بالفعل مسددا لكل مشاعر الموحدين في العالم (صفعة قوية) تترجم بوضوح مدى استهانة الحكومة الأمريكية بردود افعال ليس للرأي العام العربي الاسلامي فحسب، وانما المسيحي وبالذات أولئك الذين لاينتمون الى طائقة الانجلوسكسون البروتستانت. ... اذا فقد (وقعت الواقعة) وتجاهل الرئيس وعود كل من سبقوه بعدم المساس بوضعية القدس بدءا من الرئيس روزفلت وانتهاء بسلفه بيل كلينتون ناهيك عن تلك الأصوات الأمريكية العربية التي انطلقت مناشدة الرئيس بأنه (يجب ألا يسمح للكونجرس بعرقلة جهودكم في بناء التحالف المساند لأهدافكم في الشرق الأوسط طبقا لما ورد في رسالة الرئيس وأنه اذا أصبح التشريع قانونا فسوف يزيد ويعمق مشاعر الاستياء بين العرب تجاه الولاياتالمتحدة) طبقا لتحذير جيمس الزغبي. الى هنا نفترق مع وعد بلقاء قادم نتحدث فيه عن ردود افعال عالمنا العربي الإسلامي تجاه هذا الأمر الجلل. فإلى ذلك الحين دعاء من الأعماق بأن ينير فينا البصر والبصيرة. وعلى الحب نلتقي.