يضع اعتراف كوريا الشمالية المفاجئ بقيامها سرا بإنتاج يورانيوم مخصب لصنع الاسلحة النووية الرئيس الامريكي جورج دبليو.بوش أمام مأزق كان في غنى عنه، حيث يقوم بالاعداد لحرب محتملة ضد العراق على أساس مجرد شك بأنها تحاول تطوير أسلحة نووية. وحتى الآن، يتخذ بوش موقفا يتسم بكبح الجماح إزاء اعتراف بيونج يانج لمسئولين أمريكيين هذا الشهر بأنها أنتجت يورانيوم كاف لصنع قنبلتين نوويتين على الاقل. تقول شبكة سي إن إن الاخبارية الامريكية ان بوش الذي توجه إلى ولاية جورجيا في جنوب البلاد يوم الخميس الماضي للمشاركة في حملة المرشحين الجمهوريين في الانتخابات التي ستجرى الشهر القادم، وصف أنباء البرنامج النووي بأنها مثيرة للقلق والحذر. ولكن في الوقت الذي بدأت فيه وسائل الاعلام تدق الطبول للانباء المذهلة، التي تم كشف النقاب عنها يوم الاربعاء الماضي، بدا أن دهشة المسئولين الامريكيين تجاه جهود كوريا الشمالية لتطوير الاسلحة أقل من اندهاشهم من الاعتراف نفسه. ويقول أحد المسئولين ان الاعتراف مثار دهشة. فقد كان بمثابة صراحة لم نتعود عليها من جانب المسئولين الكوريين الشماليين. وهو .. ينطوي على أخطار. فهل سعت كوريا الشمالية وزعيمها الذي لا يمكن التكهن بتصرفاته، كيم جونج بكشف النقاب عن أسرارها النووية إلى السعي لتعزيزالعلاقات مع واشنطن ؟ ففي الشهر الماضي، فاجأ كيم اليابان بالاعتراف بأن عملاء كوريا الشمالية خطفوا العديد من المواطنين اليابانيين قبل ربع قرن في محاولة لبدء علاقات أفضل مع طوكيو. كما اعتذرت كوريا الشمالية عن معركتها البحرية مع كوريا الجنوبية في يونيو الماضي. أم أن بيونج يانج تقول لبوش، الذي وصف كوريا الشمالية بأنها جزء من محور الشر إلى جانب العراق وإيران، بأنه من الافضل له ألا يحاول العبث أو التدخل في شئون الدولة التي مازالت تدين بنهج ستالين ؟ يقول مسئول أمريكي كبير كان بصحبة مساعد وزير الخارجية جيمس كيلى في زيارته لبوينج يانج واستمع الاعتراف الذي أعلنه الكوريون الشماليون في الرابع من أكتوبر الحالي لا أستطيع ان أصف الامر بأنه اعتذار. كما أنه من الامور المقلقة لواشنطن تأكيد نائب وزير الخارجية، كانج سوك جو، أن لدى كوريا الشمالية أشياء أكثر قوة. ويفسر المسئولون الامريكيون ذلك على أنه ادعاء من جانب كوريا الشمالية بأنها تمتلك أسلحة دمار شامل أخرى. ويوضح رد الفعل الامريكى المتروي أن إدارة بوش لم تقرر بعد كيفية التعامل مع الامر. وقال مسئول لصحيفة واشنطن بوست أن بعض المسئولين في الادارة يعتقدون أنه يجب علينا خوض الحرب غدا. إلا أن بوش كان هادئا للغاية، ورصينا ورابط الجأش. فهو ليس في حاجة لازمة أخرى. وحتى الآن، اختار بوش طريق الدبلوماسية. وتم إرسال كيلي وجون بولتون، وكيل وزارة الخارجية لشئون الحد من التسلح يوم الاربعاء الماضي إلى شرق آسيا للاجتماع مع الاصدقاء والحلفاء بشأن الموقف. وقام كيلى بزيارة العاصمة الصينية بكين. إلا أن بوش ألغى انفتاحا اقتصاديا وسياسيا مقترحا على كوريا الشمالية عرضه كيلي خلال زيارته لبوينج يانج في مطلع الشهر الجاري. يقول المتحدث باسم الخارجية الامريكية ريتشارد باوتشر في ضوء مخاوفنا إزاء برنامج الاسلحة النووية لكوريا الشمالية لا نستطيع مواصلة هذا النهج نحو الانفتاح. وسوف تشكل مواجهة كوريا الشمالية أخطارا مختلفة مقارنة بشن أي حملة عسكرية محتملة ضد العراق. فبينما يعتبر جيش العراق أضعف مما كان عليه قبل حرب الخليج الثانية منذ عشرة أعوام، تحتفظ كوريا الشمالية بأكثر من مليون جندي ومدفعية قوية للغاية يصل مداها إلى سول، عاصمة كوريا الجنوبية بما يعني أنها قادرة على إلحاق أبلغ الضرر بجارتها الجنوبية التي يرابط بها آلاف الجنود الامريكيين. كما أن افتراض أن كوريا الشمالية أنتجت بعض الاسلحة النووية يغير الحسابات أيضا. فقد برر بوش مواجهة العراق الآن بقوله ان القيام بذلك سيكون أكثر صعوبة إذا نجح صدام حسين في الحصول على الاسلحة النووية. وهناك شئ واحد يبدو واضحا فبإعلان كوريا الشمالية أن إطار العمل المتفق عليه لعام 1994 بات لاغيا، لن تشعر واشنطن أنها مضطرة لتزويدها بمفاعلين نوويين يعملان بالماء الخفيف لمساعدة كوريا الشمالية الفقيرة على زيادة إنتاجها من الكهرباء. يقول السناتور بوب جراهام، الديمقراطي عن ولاية فلوريد ورئيس لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ إن هذا الامر سوف يتطلب منا إعادة تقييم التزاماتنا تجاه كوريا الشمالية. ويضيف جراهان في تصريحاته لصحيفة واشنطن بوست إن الامر يعتبر تطورا خطيرا للغاية إذا ما قامت دولة كنا نعتقد أنها دخلت في مفاوضات جادة وجديرة بالثقة للتراجع عن برنامج نووي في مقابل مساعدة سخية بانتهاك ذلك الاتفاق. من جانبه، يؤكد هنرى سوكولسكي، من مركز التعليم الخاص بمنع انتشار الاسلحة أنه ليس أمام بوش أي خيار سوى اتخاذ موقف حازم تجاه كوريا الشمالية في ضوء موقفه من العراق. ويضيف إذا كان هناك مخادع نووي، فهل تبرئه لفقدان الادلة الكافية لادانته وتقوم بتدليله؟ أم أنك تقول له إنها مسئوليتك لكي تقر بالامر برمته؟. لكن جوزيف سيرنيسيون، وهو خبير في مجال منع انتشار الاسلحة يعمل في مؤسسة كارنيجى للسلام الدولي يرى أن أمام الادارة الامريكية خيارين. يقول سيرنيسيون إن بوسعها إما أن تمارس سلاح الاكراه وتقطع كافة الاتصالات مع كوريا الشمالية، أو أن تزعم بشكل له مما يبرره بأن أسلوبها الحازم أسفر بالضبط عن التغيير الذي كنا نسعى لاضفائه على سلوك كوريا الشمالية. واشنطن / د ب أ