يلعب المكان دوراً كبيرا في بنائية بعض الفنون، وخاصة: الفنون التشكيلية، والسينما، والمسرح، إذ إن لغة العلاقات المكانية أضحت وسيلة من الوسائل الرئيسية لوصف الواقع، ويكفي القول ان نماذج العالم الاجتماعية والدينية والدينية والسياسية والأخلاقية العامة التي ساعدت الإنسان عبر مراحل تاريخه الروحي على إضفاء معنى على الحياة التي تحيط به، نقول إن هذه النماذج تنطوي دوما على سمات مكانية. وإذا كان المنحى الجمالي غاية العمل الفني، فإن البعد المكاني وسيلة من وسائل هذا العمل للوصول إلى تلك الغاية، فالفنان وفي إطار العمل الفني المحدود، يمثل حقيقة أوسع هي العالم اللامحدود ونحن إذ ندرك المكان إدراكا بصريا فإننا نوليه اهتماما خاصا عند مشاهدتنا للعمل الفني فنحن نجرب المكان ولكنا نعاني الزمن الذي يفرض نفسه علينا موضوعا، نحن نجرب المكان بوسائلنا الخاصة لكي ندركه ولكنا لانستطيع أن نفصل عنه الزمن فالعالم مكانه محدود الأبعاد «ثلاث» ( طول، عرض، وارتفاع ) كل بعد منها مرتبط بالزمن ويشكل هذا الارتباط نوعا من الصراع نلمسه واضحا عند إحاطتنا ببعض العلوم وخاصة تلك التي تبحث في الجيولوجي والانثربولجي، وغيرها كما نلمسه في تلك الفنون التي تعيد تكوين العلاقات الزمنية المكانية للعالم الواقعي، كالسينما ، استطاعت السينما أن تسير في طريقها للتحرر من ربقة الفنون الأخرى عليها، وذلك منذ أن استطاعت الكاميرا التحرر لتخرج عن مكانها المألوف الثابت إلى رحابة الواقع فلم تعد الكاميرا «ملكة النحل التي يهرع إليها الجميع لتزيينها ثم عندما يبدأ التصوير يمرون من أمامها وهي ثابتة فوق قاعدتها تجذب الواقع» والفنون التشكيلية فالسينما كما يقول ايلي فور: «تجعل من المدة الزمنية بعدا من أبعاد المكان» واللوحة التشكيلية رغم أنها تظهر منظرا جامدا للعالم لاينتفي عنها البعد الزمني لأن الفنان حاول أن يعوض بوسائل بصرية، استحالة التعبير عن الزمن لقد استطاعت السينما أن تسير في طريقها للتحرر من ربقة الفنون الأخرى عليها، وذلك منذ أن استطاعت الكاميرا التحرر لتخرج عن مكانها المألوف الثابت إلى رحابة الواقع فلم تعد الكاميرا «ملكة النحل التي يهرع إليها الجميع لتزيينها ثم عندما يبدأ التصوير يمرون من أمامها وهي ثابتة فوق قاعدتها تجذب الواقع» ولكنها الآن خرجت إلى الواقع وفرضت نفسها رغم المحاولات التي يقوم بها الكثيرون لترتيب العالم الذي تتحرك إليه في محاولة للسيطرة على حركتها تلك الحركة التي أتاحت لها السيطرة الى حد كبير على بعدي المسافة والزمن وإعادة تشكيلها، وان كان البعد الزمني لايشغلنا هنا الآن، فإنه يجب ان نوجه إلى نقطة هامة وهي خاصة من خصائص الصورة الفيلمية التي تميزها عن فنون كثيرة، وهي ان الصورة الفيلمية دائما «في الحاضر» لأنها تفرض نفسها على تصورنا «الآني» وتسجل في حاضر وعينا، فليس هناك ماض ولامستقبل، والماضي والمستقبل ما هما الا نتاج فكرنا. * من دراسة مطولة للكاتب