رحلَ قبل أيامٍ داعيةٌ من أهل الفضلِ جنوب المملكة وهو الدكتور عبدالله الشهراني -رحمه الله- أستاذ الحديث بجامعة الملك خالد، وهو من الرجال الأخفياء فيما نحسبه ، وهؤلاء الأخفياء لهم في حياتهم حالٌ عجيبة، وهم بعد مماتهم يرسمون علامات التعجب والدهشة بسبب ما يصنعه رحيلهم. حسناتٌ من الرجالِ الأفذاذِ تخرجُ بفضل اللهِ من بين يديهم، وهم يسيرون في غبراءِ الناس ينكرون ذواتهم ويخافون ربهم من فوقهم على أعمالٍ يريدونها له ويحذرون أن تستدرجهم الرغبات ليجعلوها لغيره. يقيمون المشاريعَ الدعويةَ والتربويةَ العظيمة فإذا استوتْ على سوقها تُعجبُ الناظرين، وتجذبُ الضوءَ الباهرَ تجاهها فروا لا يلوون على شيء لسان حالهم: ما منّا شيءٌ وليس لنا من الأمر شيءٌ، وقد قامَ بالفضلِ غيرُنا ونحن مستفيدون. أربعٌ وعشرون ساعةً في اليوم يُقطِّعون أنفاسها في السعي الحثيث، والعمل الدؤوب لخدمةِ دين الله تعالى، وإصلاح مجتمعاتهم، وتزكية مَنْ حولهم، فإذا لمحوا بارقاً من ضوءٍ إعلاميٍّ يرغبُ إعطاءهم بعض حقهم لاذوا بالفرار ضنّاً منهم بحسناتٍ يريدونها لله، ولا يريدونها لأحدٍ سواه. يُرشدون الضالَّ، وينصحون الحائرَ، ويعينون الضعيف، ويسعون في حاجات الأرامل، ويطرقون كلَّ بابٍ لتحصين الشابات والشباب، ويطعمون البائس الفقير، ويُصلحون بين المتخاصمين، ويؤلفون بين القلوب، ويسعون في تفريجٍ على المهموم والمكروب، ويساهمون في حفظٍ أسرٍ من الضياع، ويبينون محاسن الدين للمخالفين، ويدخلُ الإسلامَ على يديهم العشرات والمئات والألوف. يحترقون لنشرِ النور في كلِّ زاويةٍ لم يصلها نور الإسلام، وكلُّ ذلك يفعلونه بصمت الوجِلِ، ورجاءِ الخائف، وحال الزاهد في الشهرةِ والضوء. في حياتهم يسيرون بهدوء ، وتتصاعدُ خطواتهم إلى السماء دون ضجيج ، فلا يكادُ يعرفهم أحد ولايكادُ يلتفتُ إليهم ملتفت؛ حتى إذا أذِنَ اللهُ بانقضاءِ الأجل، وانقطاع العمل، وتوفاهم إليه ضجت الدنيا بأسرها، واهتزت البقاعُ، وأخبرتِ الأرضُ عن آثار دعاةٍ صامتين إلا من عملٍ دؤوبٍ وفعلٍ مؤثر يشهدُ لهم بعد رحيلهم.