الليل يسير ببطء، تحت ضوء صغير في غياهب الصحراء الشاسعة توسط أصحابه قاعداً بهامته العالية .. وبدأ يخط ويرسم هنا وهناك بعصاه على الرمال الساكنة أطال المكوث والجموع من حوله تلتقط بعيونها قبل آذانها كل همس أنامله .. قاربت خيوط منتصف الليل على الرحيل، تفرق الجمع عبر خيوط الظلام الدامس بعد أن أهالوا التراب وأخفوا معالم ما عزموا عليه !! كانت نسمات تلك الليل تحمل معها نغمات البرودة التي امتزجت برائحة ألفها قادمة من جهة الشمال، بعد أن عاد نظر من النافذة طويلاً قلقاً .. استلقى على أريكته وعينا الأسد ترفض الرضوخ لسلطان النوم ظل بكل صبر يرقب زخات الصباح ومساقط الضوء .. أن تأتي بسرعة تحمله لحظات وهج الأشواق وحنين الذكريات المتأججة بداخله، تأسره بشكل لا إرادي إلى تلك الأرض وحبات رمالها يقلبها بين كفيه يمضي إلى الخيل يمتطيها وسط البيداء .. وقهقهات الطفولة الندية، فجأة تخرج زفرة لها دوى .. لاح طيف خروج أبيه من ملك آبائه وأجداده حزيناً ، وكيف فارق لذيذ النوم عيناه منذ ذلك الحين .. انتفض من مكانه، حيث نادى المنادي لصلاة الفجر بعد الصلاة أتى إلى والده جالسا.. يسبح جثى على ركبتيه وقبل يديه.. نظر في عينيه الغالية.. قال .. والدي العزيز : اليوم لك .. أن تسعد، فوالله الذي خلقني وخلقك لن اهنأ بلذة عيش ويطيب لي مقر حتى أرجعك لوطنك . وملكك مرفوع الرأس !! بإذن الله فادع إليه .. قال الوالد .. وهو يمسح بيديه على مقدمة رأسه !! اعرف انك من ذخر آل سعود .. وانت الأمل!! أوصيك أن تضع مخافة الله بين عينيك .. وعلى بركة الله .. تعانقا طويلاً وغادر ملوحاً بيديه وعزمه يسبق خطواته بعد ساعة كانت عهود الوفاء اجتمعت في ساعة الانطلاق المحددة .. انطلقت تعبر الصحاري والقفار أصوات حوافر خيلها تثير الرعب في القلوب، ليال طويلة تمر بطيئة وصلوا إلى هدفهم ! كان مهيباً شامخاً وهو على قمة التل.. يرقب المصمك يلمع في عينيه العزم والنصر, التفت مستديراً نحو رجاله نادى عليهم التفوا حوله في حلقة مكتملة القضاب قال : اليوم .. يا إخواني سوف نحفر خطا على رمال المجد بمضارب السيوف هنا على تراب وطنكم لأجل وطنكم !! الرياض .. ها هي والخيار ما زال أمامكم !! وأنا ابداً لن ارجع عن هدفي حتى لو لم يتبق معي رجل واحد علا الهتاف بصوت واحد رددوا، نحن معك ودونك يا ابن عبدالرحمن انشرحت أساريره وامتزجت ابتسامة الرضا مع دموع الرجال الأقوياء على نواجده البيضاء في عتمة الليل وسكون القوم بدأت اللحظة تجتلي وكل فرقة من الفرق الثلاث عرفت مهمتها ونسمات البرد القارس تلفح الأجساد المتدثرة بالشجاعة النادرة ! تسلل الأسد إلى العرين بخفة وحذر يرقب خطوات عدوه على صوت الله اكبر.. من المجموعة الأولى فهم المغزى .. استل سيف أبيه، وكبر وهو يغمده في صدر عدوه ؟ اخذ يصول ويجول, حمي وطيس المعركة لم ترعبه الجحافل القادمة نحوه وسيفه يقتلع رقابهم تاهت قوة الجنود .. مع المباغتة ارتعب قائدهم وسقط من شجاعة ابن فارس الصحراء, ومع إشراقه شمس نهار الخامس من شوال سنة 1319ه كانت عمامة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ترفرف بكل عز وفخر على أسوار المصمك لتعلن سقوط الرياض وبداية بناء المملكة العربية السعودية التي عادت إلى أبنائها المخلصين إلى يوم القيامة !! نورة العتيبي