لم يكن الحادي عشر من أيلول من العام الماضي يوما عاديا، بل كان يوما استثنائيا في منهج التفكير البشري، ليس لكونه دفن تحت أنقاض توأمي نيويورك آلاف الضحايا، بل لأن الغبار الذي أثاره تدمير المبنيين حمل معه مفهوما جديدا للحرب على ما تسميه أمريكا بالإرهاب، هذه المرة حمل المصطلح بعدا يحب المواطن الغربي أن يسمعه،وهو حرب الحضارات . فبعيد وقوع الهجوم بقليل، وحتى قبل أن تتمكن فرق البحث من جمع أي خيط يدل على هوية الفاعلين، خرج جورج بوش الصغير باكيا ليعلن لشعبه أنهم يتعرضون لحرب حضارية ومن نوع جديد!! فقد وصف في خطابه ما حصل بأنه هجوم على العالم المتحضر، قائلا إن الهجوم وقع على الأرض الأمريكية، ولكنه كان هجوما على قلب وروح العالم المتحضر. وقد اتحد العالم معاً لخوض حرب جديدة ومختلفة ، وبتزامن هذا القول مع قوله ان هذه الحرب الجديدة هي حرب صليبية ، يمكننا بما لا يدع مجالا للشك أو التخمين معرفة إلى أين ستتجه هذه الحرب، ومن هم أطرافها. الحضارة الإسرائيلية ما يدعونا للولوج من بوابة أحداث أيلول، هو الخطاب الذي وجهه جورج بوش إلى الفرقاء في الشرق الأوسط في أوج الغارة التي يشنها الاحتلال الصهيوني على الآمنين الفلسطينيين، واصفا ما يقوم به الاستشهاديون الفلسطينيون بأنه حرب على الحضارة مذكرا أن ما يقوم به هؤلاء القتلة -على حد تعبيره- هو فصل من فصول الحرب على الحضارة التي بدأت فصولها في الحادي عشر من أيلول: منذ 11 أيلول/سبتمبر وأنا أردد هذه الرسالة: ينبغي على كل طرف أن يختار، إما أن تكونوا مع العالم المتحضر وإما أن تكونوا مع الإرهابيين. ويجب على جميع الأطراف في الشرق الأوسط أن تختار أيضا وأن تتحرك بصورة حاسمة قولا وفعلا ضد الأعمال الإرهابية . وفي فقرة أخرى من خطابه يلمح الرئيس بوش إلى الدول العربية على أنها مكمن التخلف الذي يحارب الحضارة الغربية والشرق الأوسط طالما تخلف إلى الوراء في مسيرة التقدم السياسي والاقتصادي في العالم. هذا هو تاريخ المنطقة لكنه لا ينبغي أن يكون، ويجب ألا يكون مصيرها. فالشرق الأوسط يمكنه أن يكتب رواية جديدة فصولها التجارة والتنمية والديمقراطية ، هذا التخلف الذي ينبع منه الإرهاب الذي ينبغي على العالم كله أن يحاربه. أكذوبة إعلامية ليست جديدة كان العالم الغربي يردد مقولة حرب الحضارات أثناء حقبة الحرب الباردة بينه وبين الاتحاد السوفييتي السابق، ثم غاب هذا المصطلح ليعود مرة أخرى صبيحة أحداث أيلول، فقد استمر الإعلام الغربي منذ ذلك الوقت في الترويج لنظرية حرب الحضارات، وأن ما حصل ليس إلا حربا على الحضارة الغربية من قبل العالم الأصولي الإرهابي الذي يمثله المسلمون بالطبع. وكان الكاتب الأمريكي صموئيل هنتنغتون قد كتب مقالة شهيرة عام 1993 بعنوان صراع الحضارات وقد قسم فيها العالم بعد الحرب الباردة إلى عدة مجموعات حضارية دينية، هي الحضارة المسيحية الغربية والحضارة الإسلامية والحضارة السلافية الأرثوذكسية والحضارة الكونفوشوسية، وتوقع أن تكون سمة المرحلة الراهنة هي الصراع بين الحضارتين الغربية والإسلامية. ويقول السياسي وعالم الاقتصاد الأمريكي ليندون لاروش في محاضرة ألقاها في أعقاب أحداث أيلول ان زبيجنيو بريجينسكي مستشار الأمن القومي السابق وصامويل هنتنجتون وهنري كيسنجر وآخرين يريدون بناء إمبراطورية أنجلو أمريكية عنصرية باسم صراع الحضارات ،مضيفا أن هنتنجتون طرد من مقاعد الدراسة في جامعة هارفارد عام 1957 عقب وضعه لكتاب الجندي والدولة يكشف فيه أسلوب تفكيره وأهدافه، ويبدو أن إدارة الجامعة في ذلك الزمن لم تتحمل الطروحات المذكورة في كتاب هنتنجتون فأجبر على ترك مقعده هناك . وقد تبعه في ذلك بريجينسكي.