من أكثر الأمثلة التي تتردد على مسامعنا : ( الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك ) ، وكثير من الخطب والمقالات تتحدث عن هذا المعنى بمترادفات كثيرة كقولهم : ( الوقت عدو مجتهد لا يقتله إلا كل مجتهد ) ، وحقيقة أنا لا أتفق مع هذا المثل الشهير ولا أحبه لأنه يجعلنا في حالة تأهب وحرب مع «الوقت» ، ونحن نحتاج إلى أجواء السلم والحب والصداقة مع هذا «الوقت» لأنه ببساطة شديدة هو حياتنا. القيمة الحقيقية ليست في الوقت بل في الأعمال الثمينة التي ننجزها ، والاسترخاء واللعب قد يكون الاستغلال الأمثل للوقت لأننا نعيش حالة استجمام بين انجازين ، والجهد الشاق قد يكون إضاعة للوقت لأنه عمل ليس له أولوية بالنسبة لك. السؤال والمحاسبة لا يجب أن يتجها للوقت بل لأهدافنا في الحياة ومشاريعنا التي نريد انجازها ، والوقت هو وعاء محايد لهذه الأهداف ، فمشكلاتنا ليست بإضاعة الأوقات بل بضياع الأهداف ، وطريقة رسم الأهداف والعمل على تحقيقها هما المحك الحقيقي للتقييم ، والنجاح المعتبر هو توزيع الوقت على أولوياتنا الحقيقية ، ومن أجل ذلك علينا إدارة أنفسنا من خلال الوقت وليس العكس. بعض الذين يبالغون في إظهار حرصهم على الوقت تجدهم مشغولين بلا مهمة ، وينظمون أوقاتهم بلا مردود كبير ، لأنه غابت عنهم معادلة : ( كيف أحقق النتائج المستهدفة في الوقت المتاح ) ، فتنظيم الوقت هو وسيلة وليس هدفاً بذاته. في علم الإدارة الحديث يعتبر توفير الجهد والوقت والكلفة نجاحا ، وكلما قل الوقت المستهلك في العمل المنجز ارتفعت معايير الربحية. الفراغ نعمة ومنحة جميلة لأنه يعطينا المساحات لبناء ما نريد ، ولذلك نجد نبينا العظيم عليه الصلاة والسلام يقول : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس .. الصحة والفراغ ) ، وإذا أنجزت ما يجب عليك القيام به فإني أدلك على مقولة برتراند راسل : (الوقت الذي تستمتع باضاعته ليس وقتا ضائعاً ). إننا بحاجة إلى إقامة علاقة حميمة مع الوقت ، والنرفزة من انقضاء الوقت ليست هي الجو الأمثل لاستغلاله ، فالوقت ساحة جميلة للحياة وليس ساحة معركة مع الحياة . دائماً ما يرددون : الوقت الذي يذهب لا يعود ، والوقت يمضي من غير رجعة ، ولا يدرك هؤلاء أن الوقت لا يذهب وإنما نحن الذين نمضي بلا عودة ، والحصيف من استمتع بحياته ، وصنع نجاحاً يليق به ، وحمل من دنياه إلى آخرته ما يكفيه.