انتهينا في الحلقة الماضية الى ان تعلم ومن ثم نقل قيم "الشهامة" هي في التحليل النهائي ترجمة انسانية حقيقية لدرجة تفاعل الفرد مع البقية من اعضاء مجتمعه تفاعلا ايجابيا مسئولا اننا نتحدث هنا عن عمل تربوي ثقافي ينقل عبر قناة او اكثر من قنوات الثقافة الاجتماعية عاكسة في النهاية دور قيم المربي وسلوكياته في عملية التوجيه مما يجعل هذا السلوك في النهاية اساسا للضمير الانساني عموما ويجعل من فن صناعته نتاجا لمراحل عمرية معينة. من هنا كان الحديث عن صناعة الضمير ودوره في عملية التوجيه ماهو في حقيقة الامر سوى علاقة تبادلية بين "موجه" و"موجه" بكسر الجيم الاولى وفتح الثانية يفترض لها ان تكون قائمة على اسس واضحة من المحبة والطيبة والايثار مما سيكون لها دون ادنى شك الدور الفعال في تجذير الضمير الاخلاقي في نفسية الطفل او المتلقي. ففي المراحل الاولى من العمر وبالذات مرحلة "مابعد الحضانة" يبدأ الطفل الدخول فيما يسمى "مرحلة التماهي" وفيها تتمثل في شعوره بالانتماء للعائلة والاعتقاد بصحة اخلاقياتها ومن ثم تشكيل سلوكياته تبعا لذلك انها بمعنى آخر المرحلة العمرية التي يبدأ فيها الطفل بتبني سلوك ذي خصائص تعكس نفسها من خلال تعامله مع الوسط المحيط به. ان مفهوم العائلة من هذا المنظور لا يعدو الا ان يكون شكلا من اشكال التنظيم الاجتماعي الذي تتميز علاقاته العامة بسيادة القيم العائلية التي تؤكد تبعية المصالح الفردية لمصالح ورفاهية العائلة ككل من هنا فالمفترض ان يتميز هذا التنظيم بإحساس اعضائه القوي بالتوحد والولاء العائلي والعون المتبادل والاهتمام باستمرار وحدة العائلة والاهم من هذا وذاك اعتناق القيم العامة التي يؤمن بها افرادها. من هنا نستطيع القول انه كلما ازداد تقديس قيمة "الشهامة" في النطاق العائلي ازدادت تجذرا في نفوس افرادها بمن فيهم حديثو التجربة من الشباب وبالتالي فجنوح اي من اعضائه صغارا ام كبارا عن هذه القيم بمعنى خروجه عن الاطار العام لقيم العائلة سيضعه حتما في وضع سيىء جدا سيدفع ثمنه حتما هذا الثمن ان لم يصل الى حد "التجاهل" و"الاستنكار" فسيكون على الأقل عتابا قاسيا. اما المرحلة الاخيرة في تجذير قيم "الشهامة" فتبدأ عندما يحاول الشاب الذي تربى على تقديس "قيم الشهامة" في نقل ما تعلمه الى المحيط الخارجي الذي يعيش فيه محاولا من خلال سلوكه وتصرفاته ان يبرز هذه القيمة كواحدة من اطر المرجعية السلوكية التي تحدد علاقاته بالآخرين. ان الوصول الى "المعادلة التربوية" في كيفية صناعة الشهامة والضمير المصاحب لها ليس بالأمر السهل على الاطلاق. فهناك بالاضافة الى المتغيرات التي سبقت الاشارة اليها متغيرات أخرى منها، ما هو على المستوى الفردي ومنها ماهو على المستوى الاجتماعي التي لابد ان تؤخذ بعين الاعتبار. فعلى المستوى الفردي هناك مجموعة مهمة من المتغيرات تأتي من بينها الرعاية المبنية على التهذيب والتأديب المسبب بفتح الباء وليس العقاب البدني لمجرد العقاب او عملية التهديد بالانسحاب العاطفي غير المبرر او على الاقل المفهوم. ان هذا الاسلوب التربوي وبالذات في مراحل الطفولة الاولى او المتأخرة من شأنه ان يزيد من غرس قيم "الشهامة" في نفس الطفل وتشعره دوما بأن المحافظة على هذه القيم ورعايتها له هي ضرورة اجتماعية لها ما يبررها دوما. وهناك تجربة او تجارب "الألم" التي قد يمر بها الفرد منا وما اكثرها وما يصاحبها من سلوك اجتماعي نبيل ففقدان الشخص منا لعزيز او مروره بتجربة مرض "عضوي" وما يصاحب ذلك من تجربة الحدود القصوى للصبر سيبدو اثرها جليا في زيادة تجذير قيم الشهامة في نفس وعقل ووجدان المصاب وبالذات اذا ما تزامنت مع وجود شخص او مجموعة من اشخاص تقف معه خلال تلك التجربة الشخصية المؤلمة وتوفر له عناية مثلى تخفف عنه ماهو فيه مع قناعة من المصاب ان تلك الرعاية لم تبن على اي مردود مادي اومنفعة آنية او مستقبلية بل هي من منطلقات انسانية مجردة. اما بالنسبة للمتغيرات المؤثرة على مستوى الوسط الاجتماعي فمن بينها البيت المليء بقيم المحبة والايثار للآخرين والذي يكسر كثيرا من نزعة "الأنا" لدى الفرد ويجعله بالتالي مجندا على الدوام لخدمة الاخرين سواء في المحيط العائلي او المحيط الاجتماعي الارحب قولا وعملا وممارسة. وهناك سلوك ايثاري نموذجي من الوسط الاجتماعي الذي سيكون ذا مردود واضح ومكمل للدور العائلي الذي سبقت الاشارة اليه. والاهم من هذا وذاك الاطار المرجعي العام الذي يجعل من قيم "الثواب والعقاب" الديني والدنيوي ويغرس في نفوس المؤمنين به ان (حب لأخيك ماتحب لنفسك) منطلقا لغرس وتجذير هذه القيمة الانسانية والاجتماعية النبيلة. والآن ترى هل استطعنا اعزائي ان نوفي موضوعا "كالشهامة" ولو بعضا من حقه؟؟؟ دعني اكن امينا معك قارئي العزيز وان اقرر بكل القناعة والطوع والاختيار شكي "الكبير جدا" في هذا وحسبي انني قد حاولت ان اقدم جهد المقل فيه. فعذرا على هذا التقصير. وعلى الحب نلتقي.