لم يجد يوسي ساريد زعيم حزب ميرتس اليساري إلا هذا الخيار لتوجيه المزيد من الانتقاد لسياسة موشي يعلون رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد الذي اختار مؤتمراً لرجال الدين المتعصبين ليطلق المزيد من الاتهامات والتهديدات ضد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات وضد المقاومة التي يقوم بها الشعب الفلسطيني ببسالة، فقد ذهب في تهديداته الى اعتبار الانتفاضة الحالية للشعب الفلسطيني هي الأخطر على وجود إسرائيل من المقاومة التي نظمها حزب الله في جنوبلبنان، وأخطر من العراق حسب زعمه، ولم ينس هذا الجنرال القادم حديثاً إلى رئاسة الجيش الذي لايقهر التذكير بأولوية الأمن لإسرائيل، ووصف الفلسطينيين بأقذع الأوصاف، متهماً السلطة بالتقاعس ورعاية الإرهاب ودعمه. يوسي ساريد الذي كان يصرخ في واد بعيد مذكراً رئيس الأركان الإسرائيلي بموقعه ومنصبه وبأنه لايجوز أن يحضر مؤتمراً دينياً بهذا المستوى بصفته العسكرية، خصوصاً أن بين الحاخامات الحاضرين عوفاديا يوسف الذي يصف العرب بالأفاعي ويدعو لإبادتهم، إلا أن كلام ساريد ومن خلفه بعض فلول اليسار الإسرائيلي الضعيف كالحاخام هيرشي الذي يقدم نفسه كصديق للرئيس الفلسطيني والفلسطينيين ويوري افنيري ويوسي بيلين وسواهم من الشخصيات الإسرائيلية لم يستطع ان يغير شيئاً في الرأي العام الإسرائيلي الذاهب جماعياً الى التطرف ولابد من التصحيح بأن ديمقراطية المجتمع الإسرائيلي الذي يتغنى بها ويعتبرها فريدة بين دول المنطقة هي ديمقراطية مصطنعة، لأن هذا المجتمع الذي اختار الليكودي ارييل شارون رئيساً لحكومته منذ سنتين عندما لم تكن هنالك انتفاضة فلسطينية، وعندما كان الشعب الفلسطيني وسلطته المركزية تبني الأحلام العظام لبناء مستقبل مشرق، وإقامة دولة مشتركة يتعايش فيها جميع الأطراف، وعندما لم يكن اليأس الفلسطيني قد وصل إلى هذا الوضع المتردي، اختار هذا المجتمع - كما وصفه الرئيس السوري بشار الأسد في كلمته التي ألقاها في قمة شرم الشيخ الأولى التي أقيمت لدعم الشعب الفلسطيني بأنه مجتمع متطرف ومتعصب عندما - اختار مثل هذه القيادة الشارونية بلا أسباب منطقية أو موضوعية. إن المجتمع الإسرائيلي عندما اختار شارون بكل وعي رئيساً له، تم اختياره وفق برنامج أعلنه هذا الجنرال وأفصح عنه في مؤتمرات صحفية ومهرجانات ولقاءات وندوات داخل إسرائيل وخارجها، ومفاده أن مهمته ستكون منصبة عندما يتسلم مسؤولياته على إسقاط اتفاق أوسلو مع كل مفاعليه، وطرد الرئيس الفلسطيني إلى المنفى مجدداً، وتنظيم عملية "ترانسفير" أو ترحيل لفلسطينيي ال 48 الذين يشكلون الخطر الأكبر على وجود إسرائيل، وهذا ما يتفق معه عليه موشي يعلون رئيس الأركان ذاته، وليس غريباً أن شارون نفسه هو الذي قدم كل الدعم ليعلون لكي يتسلم قيادة الجيش لأنه متوافق معه في الأفكار والتوجهات التدميرية والتهجيرية للفلسطينيين. يحاول الجنرال عمرام ميتسناع المرشح لرئاسة حزب العمل الذي تحول إلى مجموعة من الأحزاب المختلفة والمتنازعة أن يقدم النصيحة للرئيس الفلسطيني ويتهمه بأنه لم يستغل الفرصة التاريخية بإقامة دولته المستقلة ويتهمه بأنه لم يقلد ديفيد بن غوريون الذي يستشهد دائماً بأقواله في بناء الدولة على الأرض التي منحها له اتفاق أوسلو، ولكن ميتسناع الذي يغدق كل هذه النصائح على الرئيس الفلسطيني يشارك هو الآخر شارون ويعلون في ترحيل الفلسطينيين عن أراضيهم وذبحهم وإدخالهم في سجن مؤبد. في مطلق الأحوال، لقد شهدنا على مدى أكثر من نصف قرن الكثير من المواقف لشخصيات صهيونية ما تلبث ان تغير جلدها وتلحس مواقفها، وحتى لانتسرع بالأحكام المسبقة فإن يوسي ساريد سيظل واحداً منهم لأن الكلام شيء والأفعال أشياء أخرى. الشرق القطرية