تعددت مواقع التواصل الاجتماعي وانتشرت بسرعة فائقة بين تعليم وعمل وترفيه، فتحول العالم إلى قرية كونية صغيرة تتناقل فيها الأخبار والأسرار بسرعة البرق، وانتشر تسجيل المقاطع المرئية والمسموعة القصيرة والطويلة، وأصبحت صور الانستغرام حديث المجتمع، ومقاطع الكييك فاكهة المجالس، ودردشات الواتساب مشمسة بالنهار ومقمرة بالليل، وتغريدات تويتر إشارات موفقة أو مثبطة، وصفحات الفيسبوك عرائض مليئة بالأصدقاء والمتابعين، وبدأت الحملات تلو الحملات في إحقاق حق إو إزهاق باطل، أو تلوين فكر أو مطالبة بعدل أو دون ذلك، وتعددت الرؤى، واختلفت الاتجاهات، بين مقل ومستكثر، وعاملة وناصبة، ظهر الحوار الرقمي ميدانا فسيحا وفضاء رحبا إذا حمي وطيس المعارك الكلامية والمشاهد الفنية. وبانتشار التقنية بين جميع الفئات العمرية واختلاف الأذواق الاجتماعية والمستويات الاقتصادية كانت الحرب سجالا بين المتحاورين، ومهزوم أمام الملأ الافتراضي أو منتصر، أما بسبب كثرة المتابعين وتأييدهم أو بسبب قوة الحجة وألمعية النظرة أو غيرها. وأصبح الحوار في هذا العالم الافتراضي صاخبا ومليئا بما لذ وطاب أو بما تشوه وعاب، وكل يدلي بدلوه صغيرا كان أم كبيرا، عالما أم طالبا، وتساوت الدرجات والشهادات بما ينضح في هذا الإناء المعين الذي تكدرت شواربه بانتفاش أمرين : الأول: كثرة الإشاعات المغرضة دون ثبات ولا بيان، وفي ذلك مخالفة صريحة لمنهج الحق المبين، قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [ الحجرات:6]. فأي جهالة أعظم من اختلاق القصص وكتابة الأساطير ونشر الكذب، ثم يعاودون الاعتذار وقد انتشر الخبر انتشار النار في الهشيم . وتحول بعض المحاورين (إناثا وذكورا) مذياعا لكل ما يسمع أو يرى دون تثبت أو أداة من علم وأناة. والثاني: انتشار التعصب الأعمى والردود الفجة والتطاول في البذاءة واتهام الناس في نواياهم، حتى وصل بالشتم إلى أروقة المحاكم نتيجة لتغريدة أو صورة مشينة . وأصبح بعض الناس المحاورين ((ذكورا وإناثا)) جلادين يجلدون الناس في كل صغيرة وكبيرة، وبمجرد مرورهم على أي قضية ستتحول إلى فتنة عمياء . وهكذا تحولت الأدوات التقنية من نفعها وعالميتها وسهولة انتشارها إلى أدوات خبيثة يخاف منها العقلاء ويبتعد عنها السعداء حفاظا على دينهم ومسؤولية الكلمة في أي حوار. وفعلا تظل الكلمة أداة نابضة تحمل مزيجا من الروح ونبضا من الفكر فإذا أحسنت إليها أحسنت إليك، وحملتك على الأكتاف مجللا بالاحترام، وإذا أسأت إليها سقطت بك في هاوية الردى .وكما جاء في المثل : لسانك حصانك إن صنته صانك.. وفي الحوار الرقمي حروفك حصانك إن صنتها صانتك . وفي الختام مسؤولية الكلمة عظيمة وهي أمانة يتحملها الكبير ويؤدب عليها الصغير، ولن يتجاوز عن حرفك يوما إذا أخطأت في حوار رقمي يراه القاصي والداني بين يديه.