"هواوي" تفتح باب الطلب المسبق لسلسلة هواتف HUAWEI nova 14 في المملكة    بلاي سينما تطلق أول سينما اقتصادية سعودية بجودة عالية    جمعية الثقافة والفنون بجدة تكرم الفوتوغرافية ريم الفيصل    إنقاذ حياة مريضة بتركيب صمام رئوي عبر القسطرة بدون جراحة    أمير القصيم يرعى حفل تخريج 167 حافظًا لكتاب الله    الصين تدافع عن عمليات الشراء "المشروعة" للنفط الروسي    الأمير محمد بن عبدالعزيز يرعى لقاء وزير التعليم بأهالي منطقة جازان    مائة معلم سعودي يشرعون في دراستهم بالصين لاستكمال برنامج ماجستير تعليم اللغة الصينية    وزارة الداخلية تطلق ختمًا خاصًا احتفاءً بعام الحرف اليدوية 2025    «عين الرياض» ترعى إعلاميًا أعمال معرض ومؤتمر العمران والبيت والبناء في سلطنة عمان    وزير ا الصحة السعودي و المصري يبحثان تعزيز التعاون الصحي المشترك وتوطين الصناعات الدوائية    نيابةً عن محافظ الطائف.. "البقمي" يفتتح المؤتمر الدولي السابع لجراحة الأطفال    لافروف: بوتين والشرع ناقشا القواعد العسكرية الروسية في موسكو    الكويت تضبط شبكة تمويل إرهابي تابعة لحزب محظور    مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يشارك في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب 2025م    الأوروغواي تقرّ قانونا يجيز القتل الرحيم    فريق إرم التطوعي يوقع اتفاقية تعاون مع جمعية براً بوالدتي بمكة    الكشافة السعودية تشارك العالم في أكبر حدث كشفي رقمي لتعزيز التواصل والسلام العالمي    نيابة عن سمو محافظ الطائف وكيل المحافظة يطلق المؤتمر الدولي السابع لجراحة الأطفال    مُحافظ الطائف يرفع التهنئة للقيادة الرشيدة بمناسبة تأهل المنتخب السعودي لكرة القدم إلى كأس العالم    محافظ وادي الدواسر يفتتح مهرجان "وادينا تراث وأصالة"    رئيس أمن الدولة يهنئ القيادة بمناسبة تأهل المنتخب لكأس العالم 2026    محافظ الأحساء يهنئ القيادة الرشيدة بتأهل "الأخضر" لكأس العالم    تداول يرتفع 86 نقطة    تسريع نمو منظومة الذكاء الاصطناعي بالمملكة    حرس الحدود بمنطقة مكة ينقذ مقيمين تعطلت واسطتهما البحرية في عرض البحر    المرور السعودي: 6 اشتراطات لسير الشاحنات على الطرق    ضبط مليوني قرص إمفيتامين بشحنة مكسرات    760 مدرسة تحصد مستوى التميز وتعيد صياغة الجودة    لضمان تنفيذ وقف النار.. استعدادات لنشر قوة دولية في غزة    الأرصاد: مؤشرات لتكون حالة مدارية في بحر العرب    وسط تصاعد المعارك حول الخرطوم.. الجيش السوداني يتصدى لمسيرات استهدفت أم درمان    مسح صناعي للمحتوى المحلي    بعد احتفالهما بالتأهل للمونديال.. جائزة أفضل لاعب آسيوي بين سالم وعفيف    دوري روشن يستأنف نشاطه بالجولة الخامسة.. كلاسيكو بين الأهلي والشباب.. والهلال في ضيافة الاتفاق    الفيلم السعودي «هجرة» يعبر إلى الأوسكار    موسم الرياض يطرح تذاكر «النداء الأخير»    وزارة الشؤون الإسلامية تفتتح المسابقة الدولية الثانية لتلاوة القرآن الكريم وحفظه في كازاخستان بمشاركة 21 دولة    السند يرأس الجلسة الخامسة لملتقى "مآثر سماحة الشيخ عبدالعزيز بن صالح رحمه الله- وجهوده في المسجد النبوي"    بعد انتهاء جولة جديدة من التصفيات.. تأهل 28 منتخباً للمونديال وتبقي 20 مقعداً    حقائق رقمية تُزين مشوار تأهل «الصقور الخضر»    أكد جاذبية السوق السعودي..الخريف: 60 مليار ريال فرص استثمار في الحديد والصلب    أنف اسكتلندي.. حبة بطاطا    البرد يرفع مستويات السكرفي الدم    21 رياضة سعودية في ألعاب آسيا للشباب في البحرين    1.5% زيادة بأسعار الحديد على المستوى الشهري    مركز التحكيم الرياضي السعودي يشارك في الندوة الإقليمية للتحكيم الرياضي    تحركات أوكرانية في واشنطن ومساع جديدة لتأمين تسليح متقدم    العمري يبحث احتياجات أهالي صامطة    أمير المدينة يرعى ملتقى مآثر عبدالعزيز بن صالح    جدل متصاعد بين تل أبيب وغزة حول مصداقية تبادل الأسرى والمحتجزين    أمير مكة: مشروع بوابة الملك سلمان يعكس اهتمام القيادة بالتنمية في المنطقة    الكلية التقنية بأبوعريش تنظم محاضرة توعوية بعنوان "تماسك"    نائب أمير جازان يهنئ القيادة بمناسبة تأهل المنتخب إلى كأس العالم 2026م    ترأس اجتماع لجنة الحج والعمرة.. نائب أمير مكة: مضاعفة الجهود لتقديم أفضل الخدمات لضيوف الرحمن    أمير الشرقية يصدر قراراً بتعيين البقعاوي محافظاً للنعيرية    أمين العاصمة المقدسة يرأس الاجتماع الثالث للجنة الأعمال البلدية والبيئية لتعزيز التكامل التنموي بمكة    إطلاق كائنات فطرية في محمية الوعول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صورة المرأة بين الدلال والدلالة (2)
نشر في اليوم يوم 19 - 08 - 2002

لقد كان منظور الهاشمي- وهو يمارس طقوسه التحليلية المستفيضة على المرأة- يواجه معضلة ذات بعدين:
أ- غياب البنية التوالدية الدالة في معظم النصوص الشعرية على اعتبار أن النصوص الواردة في الدراسة- في معظمها - تعتمد على التصوير اللغوي التجريدي، وفي تصورنا أن الحافز الإبداعي- في مثل هذه النصوص- قائم على استصدار السياق بوصفه أداة مجردة،بينما هي في الصورة الإبداعية تكتنه شروط وجودها في عالم المشاعر الاستشرافية بغرض الوصول إلى اللا تماثل في العبارة الشعرية.
ب- صوغ النص الإبداعي ضمن إطار عرف العقد الاجتماعي - العربي- الذي يرسم نمطية الممارسة في جميع مراميها. لذا كان الأجدر بمثل هذه الإبداعات في صورها الشعرية، أن تنظر إلى المرأة بوصفها نصاً يمتلك القدرة على التخفي، بخاصة إذا وضعنا في اعتبارنا أن النص لا يمنحنا جميع أسراره للوهلة الأولى وإنما يستمد فاعليته مما يكتنهه من غموض، الذي هو سر استمرار النص وقوته في آن. وحتى وان كان الضعف فطرياً في المرأة- بحسب رؤية الشاعر إبراهيم العريض- إلا أنه قيمة إنسانية تمكنها من أنوثتها وتقودها إلى النبع الأصيل دون أن يفهم هذا الضعف على أنه المقابل الدلالي للانكسار، أنه ضعف الغنج والدلال، وليس ضعف القهر والخضوع. أن ما تكشف عنه دراسة (ما قالته النخلة للبحر) هو غياب (المرأة/ النص) في النصوص الماثلة أمامه للدراسة،وهذا شيء قد يجد فيه الناقد ما يشفع له من منظور أنه مرتبط بالأساس بتصور الشاعر، وهو ينقل إلينا معاناة الشاعر،بإحساسه دون أن يتحد بوجدانها وبحسها الدرامي. أن صورة المرأة في شعر البحرين، كما أثبتت ذلك استقصاءات علوي الهاشمي في أثناء استقرائه أهم النصوص،ليست لغة، أي أنها ليست نصاً بمعرفته الفكرية، لسبب جوهري أنها غائبة عن تفحص العلاقات الموجودة بين راهن الشيء والإسهام في خلقه، بين الوارد والمحتمل، بين الممكن وإعادة تصوره،أنها تخلو من الالتباس، وكل ما تستطيع أن تكونه هو أن تظل كائناً يمارس وظائف الكائنات دون أن يتجاوزها إلى كينونة الخلق، وهو الأمر الذي عابه علوي الهاشمي على حرفية الفاعلية الإبداعية في شعر البحرين التي تحد كيان المرأة وتنفي عنها كل الفاعلية في دفع مسار الحياة. كما يعبر عن ذلك علوي الهاشمي بقوله في هذا النص الطويل حيث تعذر علينا تلخيصه لأهميته، (( ولأن المرأة الحبيبة خاصة، كانت عاجزة عن أن تنهض بدورها النفسي الصحيح في حياة الشاعر، فقد كانت كذلك عاجزة عن أن تنهض بدورها الفني في تجربة الشاعر الفنية، حتى أننا نكاد لا نلمس من ملامح المرأة إلا ظلالاً خفيفة عابرة في شعر عبد الحميد تقتصر أكثر الأحيان على تذكر الحبيبة، وعلى رغبة الشاعر في وصالها. أما في قصائد الشاعر الواقعية فإننا نلمس غياباً كاملاً للمرأة، وهذا ما يجعل هذه القصائد أقل فنية من سواها، ولكنها في ذات الحين أكثر صدقاً وتعبيراً عن موقف الشاعر. أما علاقة المرأة بالنخلة فقد كانت أضعف العلاقات على الإطلاق، إذا لم نقل أنها معدومة تماماً في تجربة الشاعر كلها، حيث لا يرد ذكر النخلة في شعره إلا مرة واحدة، كان مقترناً بالمرأة في علاقة سطحية عابرة.وقد أوردنا المثال الذي جاء فيه من قبل. أما حين تتقابل المرأة والواقع في بعض قصائد الشاعر فإننا حينئذ نشعر اما بالتناقض الواضح بين الطرفين، أو بافتعال الشاعر للموقف الثوري واعتساف إسقاطه على المرأة- الرمز العاجزة)).
ولعل في هذا النص المطول ما يبرر موقف علوي الهاشمي من النتائج الخاطئة لمكانة المرأة في الشعر العربي، وشعر البحرين منه على وجه الخصوص، معقباً في ذلك على شعر إبراهيم العريض نموذج الشعر البحريني الذي رأى في المرأة ((روحاً شفافة وجسداً جميلاً هو ميراث كل أنثى... واذن من منطلق هذه النظرة الرومانسية المثالية فان العريض لا يدفع بالمرأة الى العمل الاجتماعي الا في حدود ما يتناسب وشفافية روحها ونعومة جسدها وجاذبية جمالها، لذلك فهي تصلح في نظرة لأن تكون (ممثلة) على خشبة المسرح، وحاصدة وسط حقول القمح، او ريفية في احضان الطبيعة الجميلة او حين تدفعها الظروف قسرا الى ما هو اقسى من ذلك الحرب مثلا، فان الشاعر يرسم لها حدودا تتناسب أيضا وطبيعة نظرته اليها، اما ان تقاتل وتزج بنفسها في المخاطر وتلوث يديها بسفك الدماء كما فعلت نساء الفرقة الصهيونية، فذلك ما يخدش تصوره الرومانسي ونقاوة نظرته المثالية لها، عندما يجب ان تقود المرأة الى مكانها الطبيعي : البيت، وتكتفي بطبيعة عملها زوجة واما وهذه النظرة التقليدية المتخلفة للمرأة.. ).
لقد ظلت المرأة والى زمن طويل محور تأثير في خفايا الحياة والانسان والطبيعة ولعل الفنان هو الاقرب الى هذه المساحات لوجدان المرأة، وليس غريباً ان يفتن الرجل بحس المرأة وجمالها، غير ان الابتهاج سرعان ما يبتذل ويختزل في حيز من الفراغ التراكمي، اذ لم تحظ هذه التجربة في الأدب العربي بالعمق الرؤيوي الذي يفجر الدلالات الخفية لما يعجز الظاهر عن اكتسابه أو حتى التماسه .
وبذلك ظلت المرأة رهانا لتجارب صورية تستهلك جوانب من المتع الحسية والحالات الشعورية دون توغل في الجوهر لتظل كناية عن انعكاس ذاتي ( وإذا كانت للمرأة الحبيبة هذا الدور في تجربة الشاعر من الناحية الفنية، فان وقوف الشاعر أطول أمام المرأة يقود تجربته إلى مواقع اكثر عمقا في اتجاه الذات، وهو يبحث عن انعكاس تأثير الحبيبة وحبها على نفسه . فحين يحس الشاعر بذلك الأثر، يحدق في ذاته اكثر ويتساءل عن حقيقة تلك التي تحرك عاطفته، وكأنه لأول مرة يحس بذلك الفعل المؤثر في داخله ). فما يذهب إليه أمثال الشاعر احمد الخليفة هو النظر إلى المرأة بمنظار الحيز الذكوري الذي يجعل منها مجرد استقطاب متعي يجردها من تفاعل الوجود ويجرها إلى وجود الامتلاك، وقد تنبه علوي الهاشمي إلى هذه الرؤى الاستيهامية من خلال نقده للوصفية المباشرة على الرغم من بعض المحاولات الشعرية التي رأت في المرأة (باعثا على تفجير الإحساس بالموت لدى الشاعر، لان الموت هو هذا الجمال والعاطفة الإنسانيين واللذة الغامرة التي يثيرها وجود المرأة في حياة الشاعر )
ولعل قصور التجربة في الشاعر العربي يعود إلى كونه يتعامل مع الجزئيات العرضية في أساليب وصفية لا تصيب الدلالة الخفية (ولأنها المرأة غدت في اكثر مراحل تجربة الشاعر تطورا، حبيبة يلمس تأثير عاطفتها وحبها على نفسه، ويحاول أن يرصد هذه الحالة النفسية بالوصف، دون أن يستطيع تجاوز هذه المرحلة الوصفية لما هو منعكس عن (المرأة) في النفس، فقد بقيت تجربة الشاعر الحقيقية مرتبطة بالمرأة، كما بقيت المعالجة الغالبة التي وقفت سورا عاليا يتحدى الشاعر لان يقفز عليه ويتخطاه لما هو ابعد من ذلك . وبغير ذلك ستبقى تجربة الشاعر كلها حبيسة المرأة والمعالجة الوصفية دون أن تتسع إلى مواضيع أخرى تتوالد من صلب المعالجات المتطورة لموضوع المرأة .
ان ارتباط تجربة الخليفة ارتباطا كليا بالمرأة وبالمعالجة الوصفية بالذات يعني ان غياب المرأة أو فتور هذه العاطفة نحوها، إنما هو نضوب لمنبع هذه التجربة الوحيدة)
ومما لا شك فيه أن صورة المرأة (حتى لا نقول الأنثى) قد ابتذلت بالذاكري والكائني، وليس بالكينوني والأبدي، حتى وان أسقطت عليها جميع مظاهر الكون والطبيعة فقد اعتبرت شيئا يشتهي حتى أروع رموزها الخالدة.
إن الشعر العربي على وجه العموم لم يتعد عتبة الجسد إلى أفق المجهول الذي يكتمل في كينونة البعد الدرامي لفاعلية الأنثى كامتداد حضاري في وجدان الشعوب. وقد استطاعت الصوفية أن توحي ببعض هذا الوجدان من خلال تبليغ رسالة عرفان ووجدان .
لقد أراد علوي الهاشمي ان يوضح من خلال تجربة (العريض) مثلا ان المرأة هي محور تأمل إنساني وجمالي وفكري شامل حتى وان ارتبطت بمظاهر الطبيعة لما بينهما من انسجام وتناغم، غير إنها لم تكن كذلك وظلت مجرد موضوع للإثارة يعكس الشاعر من خلاله مشاعره وشجونه أو هوسه الداخلي . وعلى الرغم من كون المرأة جوهر العاطفة الإنسانية وسر خلود هذه العاطفة، واستمرارية تدفقها إلا إنها لم تبد في تجربة العريض إلا بوصفها هاجسا يعمل على إيقاظ مشاعر الحب وأسبابها لتبقى في تماس حسي يرصد بصورة وصفية .
وتبقى الفرضية مطروحة : هل استطاع الشاعر في الأدب العربي أن يتأمل موضوعه بمتعة الرؤيا ؟ وإلا كيف يكون الحرمان بوصفه مظهراً اجتماعيا عائقا أو باعثا على إثراء التجربة الشعرية أو تراجعها ؟ ولماذا تخضع الرؤية الإبداعية لمقاييس الصدق المجتمعي ؟
إن الشعر لا يمكن إلا أن يكون انحرافا وخرقا لكل المعايير بشتى أنماطها، والنص الذي لا يثير أفق انتظار المتلقي هو نص عاجز . وإذا كانت العلاقات الاجتماعية مدركة في انساق محددة فليس من الضروري أن يكون الشعر امتدادا لها على اعتبار انه لا يخضع إلى معايير. انه توجه داخلي تمليه تجربة وجدانية وهو يحتكم إلى فلسفة الباطن، أما الواقع فهو صورة وحسب .
ولعله الوضع الذي جعل من موضوع المرأة في الشعر العربي مجرد فتنة إغواء، وانعكاس ذلك بصورة سلبية على الواقع والمجتمع إنما مرده أن هذا الواقع العربي ظل راكدا، لم يسهم الشاعر في بلورته، وهو إذ يصف هذه الحالات أو تلك إنما يضاعف من الحيز التراكمي الذي يستولي عليه . إن مهمة الشاعر تبقى مع ذلك مرتبطة بالقبض على الخفي وملاحقة المضمر لاتصاله باللامعقول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.