تعلن بين الفترة والاخرى امانات المدن السعودية عن اسماء المحظوظين الفائزين بمنح الاراضي، بعد انتظارهم لعقود طويلة من الزمن، يحلمون فيها بموعد الاعلان عن تخصيص قطعة ارض تستغل في اقامة بيوت يقيمون فيها وعائلاتهم، تحميهم من مطالبات المؤجرين وايجاراتهم التي لاترحم!! الا ان احلامهم تذهب ادراج الرياح، عندما ينتظرون عقودا طويلة من الزمن، وكذلك عندما تعلن اسماؤهم كمستفيدين منها، فالاراضي الممنوحة من قبل امانات المدن تكون عادة بعيدة جدا عن مناطق ومخططات الخدمات، بحيث تتعذر الاستفادة منها على المدى المتوسط، وقد يحتاج الممنوح فترة انتظار تفوق فترة انتظاره الاولى لكي يستفيد منها للغرض المطلوب!! فوصول الخدمات لأغلب مخططات المنح يستغرق عشرات السنين. الامر الذي تتعذر معه الاستفادة منها، ويصبح الحل الوحيد وبعد طول الانتظار التخلص منها بالبيع وبسعر قد لا يتجاوز احيانا مبلغ 2000 ريال!! وتلك القطع الممنوحة والمباعة بالسعر الزهيد لا يستفيد منها سوى "هوامير" السوق الكبار، الذين يمثلون في حقيقة الامر المستفيد الحقيقي من المنح، فهم لا ينتظرون ارضا يبنون عليها سكنا لهم، انما فترة زمنية قصيرة بعد الاعلان عن توزيع المنح، يعمدون بعدها الى شرائها من ملاكها بمبالغ زهيدة، وبعد التأكد من السيطرة شبه الكاملة على تلك المخططات، تترك فترة من الزمن، ومن ثم يبدأ "اللعب" الحقيقي، اما عن طريق المضاربة فيها ورفع الاسعار او عن طريق ادخال الخدمات واستثمار مبالغ تعود عليهم اضعافا مضاعفة!! لقد حكم على مشروع منح الاراضي السكنية بالفشل، بسبب عدم ملائمة طريقة التوزيع وتحديد المواقع العشوائي، فلم تعد لها اية اضافة ايجابية على حياة المستفيدين، سوى آلاف معدودة من الريالات قد لا تكفي لسداد فاتورة هاتف جوال!! في حين يظل حلم امتلاك بيت للمستقبل مؤجلا للأبد الا من ساعدته الظروف على ذلك. ومساعدة الظروف تعني امتلاك ما لا يقل عن 200 الف ريال لشراء ارض في مخطط خدمات، ليس بالضرورة ان تكون كاملة، ومبالغ اخرى مضاعفة للبناء والتأثيث، وتلك امور قد لا تتوافر لكثيرين من ذوي الدخل المحدود. المطلوب في المرحلة الحالية اعادة النظر في طريقة توزيع المنح والمخططات المتخصصة لذلك، فأراضي المملكة تماثل قارة في حجمها، وليس هناك ما يبرر القاء المنح في مناطق تبعد عن حدود المدن عشرات الكيلو مترات، بعيدة عن الحياة، وبعيدة عن احلام السكن فيها، واعتقد ان تحقيق ذلك ليس بالامر الصعب او المحال، قليل من التنظيم كفيل بتحقيقه.