«القصة (...) تحمل معاني قوية في نفسها لكونها بُنيتْ من ضروراتها الخاصة، وليست لمجرد أنْ تكون مأوىً لك، أو لتأسر لُبك». ما الذي يجعل القصةَ عظيمةً؟ سؤالٌ مثيرٌ طالما استحوذ على عقول أشهر كُتاب القصص، وتباينتْ الإجابات عليه؛ كان كورت فونيجت القاصُّ المشهور يقول: «اكتُبْ لتُسعِد شخصًا واحدًا فقط، لأنكَ إذا فتحتَ النافذة وأردتَ إسعاد العالم بأسره، فسوف تصاب قصتُكَ بالالتهاب الرئويِّ». وبارنابي كونراد الفنان والمؤلف يقول: «تذكَّر: القلبُ دائمًا هو مبتغاك!». كين بيرنز مخرج الأفلام الوثائقية العالميُّ، وصاحب مقولة «كيف تُبعد الذئبَ عن باب بيتك، ولماذا الرياضيات ليس لها مكانٌ في القصة؟» لخَّص حكمته أيضًا في بناء القصة العظيمة، بقوله: «نستطيع إبعادَ الذئب من الباب... نحن نروي قصصًا لتستمر حياتنا. كل منا يعتقد أنه استثناءٌ في الحياة، وأنه سيعيش إلى الأبد؛ ولكن كوننا بشرًا فهذا بحد ذاته إدراكٌ بأنَّ ذلك لن يحدث أبدًا! إنَّ القصة موجودة لتذكرنا بأننا أحياء». وقال جون ستاينبيك، وهو أحد أشهر أدباء القرن العشرين: «إنَّ القصة الجيدة من الصعب أنْ تكون ذات مفهوم نسبيٍّ، واستخدَم واحدة من التشبيهات الأكثر تعبيرًا في ثقافة البوب، فصرَّح بأنها مثل القصص المثيرة «ستعرفها عند قراءتها». ولكن، مرة ثانية، ما الذي يجعل القصة عظيمةً حقًا؟ في مقدمة مجموعتها القصصية «قصص مختارة» الصادرة عام 1996، أوردتْ أليس مونرو (مواليد 1931)- الحائزة على جائزة نوبل في الأدب 2013- إضافة إلى هذه الباقة من الأفكار الحكيمة لكبار الكتاب، وأضافتْ إليها استعارة جميلة وهي: «المسار التأويليُّ المأخوذ من عملية القراءة»، وقالت: «القصة ليست طريقًا نسلكه، بل هي أشبه بالمنزل... تدخل إليه، وتبقى فيه لفترة من الوقت، وتتجول هنا وهناك، وتجلس حيث تريد، وتكتشف بالتدريج مكان الأروقة، والغُرف، وكيف تتصل ببعضها البعض، بينما تراقب عبر النوافذ كيف تتغير الحياة خارجًا. وأنت، أيها الزائر- أو أيها القارئ- تتغير أيضًا ببقائك في هذه المساحة المغلقة، سواء كانت هذه المساحة واسعة أو مجرد حجرات ضيقة، مفروشة باقتصاد أو بثراء. حيث يمكنك العودة إليه مرة بعد مرة، ويظل البيت- القصة- يكشف في كل مرة أشياءً أكثر مما رأيتَ في المرة السابقة. إنه يحمل معانٍ قوية في نفسه؛ لكونه بُني من ضروراته الخاصة، وليست لمجرد أنْ تكون مأوى لك أو أنْ يأسر لبك». في مقابلة أجريتْ معها عام 1994، قدَّمت رأيًا جريئًا مفاده أنَّ فكرة تجربة القراءة للقصة تتطور باستمرار من خلال الملاحظة، وكذلك تجربة الكتابة. كلاهما يعتبران تحديًا ويؤكدان مفهوم القصة التي «تحمل معان قوية في نفسها». وتقول مونرو إنها عندما تشرع في كتابة قصة جديدة، لا يكون لديها تصوُّر مسبَق عن ماذا سيكون، أو كيف ستسير الأحداث، وإلى أين سوف تذهب. وهذا ما يجب أن تكون عليه : «أيُّ قصة تتجه إلى النجاح دائمًا ما تتغير». وهذا التغيير ربما يكون هدية الأدب العظيم لنا: الدعوة للاكتشاف، وإعادة اكتشاف أنفسنا باستمرار، سواء كنا قراءً أو كتابًا، في تجربة التطور المستمر للقصة العظيمة..