بعد حادثة عدم الاعتراف بشهادات الأطباء السعوديين رغم علم الوزارة المسبق بوضعهم وعدم اتخاذها إجراء استباقي لحل مشكلتهم قبل تفاقمها، نتمنى أن يعاد النظر في مستوى أداء الأجهزة التابعة لهذه الوزارة وأنظمتها. فهناك العديد من الماسي التي تطفو على السطح من حين لآخر بسبب اجتهادات العاملين فيها، أو من أنظمتها ولوائحها العتيقة التي لاتتناسب مع الوقت الراهن، ومواكبة ما يشهده العالم من تطور سريع في شتى المجالات، وخاصة في مجالات تقنية المعلومات والاتصالات التي انعكست أثارها إيجاباً على التعليم العالي والبحث العلمي. هناك العديد من القضايا والنقاط التي تحتاج فعلاً لإعادة النظر فيها من أجل الرقي بمستوى التعليم العالي ومخرجاته في المملكة والذي يعد اللبنة الأساسية للنمو في شتى المجالات المختلفة ومن أهمها الاقتصادية والاجتماعية. إن المتأمل في بعض الاشتراطات الواردة في لوائح وأنظمة هذه الوزارة سيجد التناقضات والعجب العجاب وسيتضح ذلك بالتطرق لبعضها وبعمل مقارنة بسيطة مع بعض الدول المجاورة التي تتمتع أجهزتها والعاملين بها بكثير من المرونة التي تسمح لها بمواكبة كل جديد. إن من حق كل مواطن يرغب في مواصلة تعليمه العالي أن تتاح له الفرصة، سواءً أكان ذلك عن طريق الإلتحاق بالمؤسسات التعليمية داخل البلد، أو عن طريق الإلتحاق بالمؤسسات التعليمية خارج البلد، شريطة أن تكون تلك المؤسسات ذات جودة واعتراف أكاديمي دولي. إلا أن وزارة التعليم العالي لدينا وضعت إشتراطات حرمت العديد من المواطنيين من حقهم في مواصلة تعليمهم والاستفادة من شهاداتهم في حياتهم العلمية والعملية والمعيشية، فعلى مستوى التعليم داخل البلد أو الابتعاث خارج البلد يجد المواطن نفسه محروماً من القبول لأحد الأسباب التالية: * مضى على شهادته السابقة أكثر من خمس سنوات. * عمر المتقدم تجاوز الثلاثين عاماً ولم يعد صالحاً بمعايير الوزارة لمواصلة تعليمه. * إشتراط التفرغ الكلي، حتى في البرامج أو الشهادات المعتمدة على البحث أو الرسالة فقط. * المعدل والاختبارات التعجيزية ذات العلاقة بالتخصص أوما ليس له علاقة بالتخصص. هذه المبررات المنطقية منها وغير المنطقية قد يتقبلها المرء نوعاً ما بسبب القدرة الاستيعابية المحدودة، للمؤسسات التعليمية الداخلية، وقدرة الوزارة وإمكانياتها في الابتعاث بسبب الأعداد الكبيرة للطلبة المتقدمين لكلا الخيارين، لكن في المقابل نجد أن الوزارة تضع إشتراطات تعجيزية وغير منطقية لمن لم يحالفه الحظ بالقبول في الداخل أو الحصول على بعثه على حساب الدولة. فلو قام المواطن بالدراسة على حسابه الخاص في مؤسسة تعليمية معترف بها أكاديمياً ودولياً، نجد أن الوزارة تبخصه حقه برفضها معادلة شهادته لأسباب غير منطقية وغير واقعية منها على سبيل المثال لا الحصر: 1. لا تعادل الشهادة إذا لم يكن لدى الطالب موافقة مسبقة للدراسة ( رغم أن الوزارة لم تتحمل تكاليف الدراسة) فالوزارة تصر على ضرورة الحصول على الموافقة المسبقة من وزارة التعليم العالي لمن لديه الرغبة في الدراسة في الخارج على حسابه الخاص وذلك بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم (763) وتاريخ 1393/6/12ه، وبدل ما يعدل هذا القرار الصادر منذ 39 سنة كونه لا يتواكب مع هذا العصر، قامت الوزارة بتجديده بقرار مجلس التعليم العالي رقم ( ؟ ) – هكذا كتب الرقم ضمن شروط المعادلة على موقع الوزارة – وتاريخ 1/8/1418ه تضمنت الفقرة (أ) منه عدم النظر في معادلة الشهادات الدراسية أو العليا التي يحصل عليها الطلاب الذين يدرسون على حسابهم الخاص في الخارج والملتحقين بعد صدور هذا القرار إلا بعد أن يحصل الطالب على الموافقة المسبقة من هذه الوزارة على دراسته في الخارج. 2. لاتعادل الشهادة الحاصل عليها الدارس بنظام الدراسة بالانتساب .. (التي لا تتطلب الانتظام ، أو التفرغ ، أو الإقامة ) وبالمقابل تسمح لمؤسسات التعليم التابعة لها في الداخل بتقديم برامج الانتساب، التي لا يحضر الطالب فيه ولا يكلف خلالها بواجبات أو مشاريع ولا حتى حضور إجباري لنسبة محددة من المحاضرات، ولا يحضر الطالب إلا يوم الاختبار ليجيب على ورقة امتحان بها عدد من الأسئلة ذات الإجابات المتعددة (إختياري). 3. لا تعادل الشهادة إذا كانت الدراسة أيام الإجازات أو عطل نهاية الأسبوع ، وفي المقابل تسمح ببرامج دراسات عليا تقدمها جامعات من أكبر جامعاتنا المحلية، تقدم برامجها الدراسية خلال أيام عطل نهاية الأسبوع. 4. لا تعادل الشهادة إذا تمت الدراسة بواسطة التعليم عن بعد، وفي المقابل تقوم بعقد المؤتمرات الدولية المتخصصة في مجال التعليم الإلكتروني والتعليم عن بعد، وتتحدث عن مزاياه، وتنشئ جامعة متخصصة في تقديم برامج دراسية بهذا النوع من أنواع التعليم، بل أن العديد من الجامعات المحلية أصبحت تقدم هذا النوع من التعليم في العديد من برامجها الدراسية وأنشأت لها العمادات الخاصة. 5. لا تعادل الشهادة من الجامعة التي ليست في بلد المنشأ – أي المستضافة في بلد آخر- ، وفي نفس الوقت تقوم بالسماح للجامعات السعودية الأهلية بالتعاون في برامج البكالوريوس والماجستير مع جامعات أجنبية وتعترف بشهاداتها، وتعترف بشهادات أكاديمين غير سعوديين من خريجي جامعات مستضافة في دولهم بمزاولة التدريس في مؤسساتها. 6. لا تعادل الشهادة الصادرة من جامعة غير معترف بها، والسبب في عدم الاعتراف ليس لأن الجامعة وهمية، بل لأنها ليست ضمن القائمة المقدسة للجامعات التي تعترف بها الوزارة، والتي صرح منسوبوا الوزارة مرات عديدة بأنه سيتم تحديثها بإضافة عدد من الجامعات الغير مضافة، رغم أن بعض هذه الجامعات يعترف بشهاداتها دولياً حتى في الدول المجاورة، ويقبل طلابها في جامعات أمريكا وأوربا التي تعترف بها الوزارة، كما أن بعض هذه الجامعات حاصلة على مراتب متقدمة عن كثير من الجامعات السعودية في التصنيفات العالمية التي تهتم بها الوزارة، وبالرغم من أن بعضها تتعامل معها الوزارة وبينها وبين بعض مؤسساتها التعليمية اتفاقات ثنائية، كما أن الوزارة توفد لهذه الجامعات بعض منسوبيها وبعض منسوبي مؤسساتها التعليمية للإطلاع على ما لديهم من تقنيات وتجارب والاستفادة منها. إن المتأمل لهذه الاشتراطات التعجيزية يجد أنها يمكن الاستغناء عنها بإشتراط واحد، هو أن تكون الجامعة ذات سمعه أكاديمية ومعترف بها دولياً ضمن منظمات الاعتراف الأكاديمي، وليست جامعة وهمية هدفها الربح المادي كما هو الحال في العديد من الجامعات الوهمية التي انتشرت، وأنتشر حملة شهاداتها بسبب غياب الوزارة عن القيام بدورها في تنبيه أبناء الوطن بما هو مناسب وغير مناسب من هذه الجامعات. إن هذه الاشتراطات تتسبب في إيذاء الكثير من أبناء هذا الوطن بحرمانهم من حقهم في معادلة شهاداتهم التي بذلوا فيها أعمارهم وجهدهم ومالهم ليتسفيدوا ويفيدوا وطنهم. وساوة بينهم وبين من حصل على شهادة مزورة من جامعة وهمية، حيث لم يعترف بشهاداتهم إلا لدى بعض شركات ومؤسسات القطاع الخاص الكبرى المحلية والدولية التي تقدر قيمة مخرجات هذه الجامعات وحملة شهاداتها. فالمرجو من وزارة التعليم العالي وعلى رأسها معالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري الذي يتلمس احتياجات أبناء الوطن في هذا المجال تحت مظلة توجيهات خادم الحرمين الشريفين بإعادة النظر في هذه الإشتراطات ومراعاة أن التعيلم العالي حق لجميع المواطنين دون استثناء، وأن يكون هناك لوائح وأنظمة مرنة تضمن الجودة، وتمنح الإعتراف بالشهادات الصادرة من الجامعات ذات الإعتراف الأكاديمي محلياً ودولياً، ولو تحت تصنيفات لأغراض متنوعة، أكاديمية ومهنية، ليستفيد الوطن وأبناؤه من حملة هذه الشهادات أسوة بغيرهم.