سؤال يراود الكثير من البشر عبر العصور، وربما قد يكون غريباً لدى البعض، ما حجمنا في هذا الكون؟ يمكننا أن نتخيل البشر في قديم الزمان قبل أن يتم بناء أول سفينة أو قارب وهم يتساءلون إذا كان هناك "أرض" وراء البحار التي يرونها؟. ومرت السنين حتى اكتشف الإنسان أن هناك ما هو وراء البحار، وربما مرّت القرون، حتى انتشر علم الفلك الذي برز فيه بعض العلماء العرب والمسلمين، واكتشف الإنسان أنه يعيش على كوكب وهناك كواكب أخرى في الكون. في البداية، ظن بعض العلماء أن كل شي يدور حول الأرض، إلا أنهم اكتشفوا لاحقاً أن الأرض وباقي الكواكب يدورون حول الشمس. الآن، نعلم أن الشمس العملاقةجداً بالنسبة للأرض ليست ساكنة. بل لا يوجد شيئاً ساكناً في الكون الذي نعرفه قط. نعلم الآن أن الشمس، هي نجم مثل باقي النجوم التي نراها، إلا أنها النجم الوحيد في نظامنا المميز، النظام الشمسي. تدور ثمان كواكب في مدار خاص لكل منها حول الشمس، وكوكب الأرض من ضمن هذه الكواكب. وبعض الكواكب لها قمر أو أقمار تدور حولها، فكوكب الأرض مثلاً قمراً واحداً يدور حوله وهو الذي نراه بوضوح في سمائنا. تسلسل الكواكب من الأقرب الى الأبعد للشمس كما يلي: عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ، المشتري، زحل، أورانوس، نبتون. بعد ذلك يليهم الكوكب القزم بلوتو الذي لا يعتبره الأغلبية كباقي الكواكب بسبب حجمه الصغير جداً مقارنة بهم. في الحقيقة، إن الأرض نفسها جداً صغيرة عند مقارنتها بالمشتري، وزحل، وأورانوس، ونبتون. كوكب المشتري يعد كأكبر كوكب في نظامنا الشمسي، فقطره يبلغ أكثر من 11 ضعف قطر كوكب الأرض، فتخيل حجمنا بالنسبة لهذا الكوكب. قد تكون كلمة عملاق أو حتى عملاق جداً غير كافية لوصف حجم كوكب المشتري بالنسبة لنا. إلا أن الكوكب نفسه يُعد قزماً بالنسبة لحجم الشمس، فحجم الشمس يعادل تقريباً 10 أضعاف كوكب المشتري. في الحقيقة، المسافات بين هذه الكواكب هي أكبر من الكواكب نفسها، فالفضاء في نظامنا الشمسي أكبر بكثير من جميع الأجسام التي يحتويها. لدرجة أن الوحدتين المستخدمة لقياس هذه المسافات هي السنة الضوئية والوحدة الفلكية، والأولى هي المسافة التي يعبرها الضوء في سنة بسرعته الثابتة المقدرة حوالى 300 مليون متر في الثانية، والأخرى هي وحدة مسافة فلكية تسهّل المقارنة بمتوسط مسافة الأرض عن الشمس والتي تقدر بحوالي 150 مليون كم، وتعد هذه المسافة وحدة فلكية واحدة. بينما يبعد الكوكب القزم بلوتو مسافة حوالى 40 وحدة فلكية، وهو لا يعتبر نهاية نظامنا الشمسي،تليه سحابة أورت. وقد يظن البعض أن هنا تمت الإجابة على السؤال الذي طرحناه في بداية المقال، إلا أننا مازلنا في البداية، لقد حاولنا توضيح حجمنا في نظامنا الشمسي فقط. بفضل مهمات الاستكشاف الفضائية نعلم الآن أن نظامنا الشمسي محاط بكم هائل من النجوم التي بعضها أصغر وبعضها أكبر من نجمنا (الشمس)، والكثير من هذه النجوم لها كواكبها التي تدور حولها مكونة نظم أخرى غير نظامنا الشمسي، والتي جميعها تدور حول كتلة سوداء في مركز ما سمّي بمجرة درب التبانة. تحتوي مجرة درب التبانة على 100 مليار نجم على الأقل، فما بالكم بعدد الكواكب والأقمار والكويكبات فيها. إذا تم النظر على مجرة درب التبانة من مسافة كافية لرؤيتها ككل، فسيكون نظامنا الشمسي مع جميع الكواكب التي فيه وكوكب الأرض ليس سوى نقطة. هذا بالنسبة لمجرتنا، مجرة درب التبانة، ونسميها مجرتنا لأن هناك مجرات أخرى، ليس عشرات، ولا مئات ولا آلاف ولا مئات الآلاف ولا ملايين، بل حول المئة مليار مجرة التي بعضها أكبر وبعضها أصغر من مجرتنا التي تحتوي على نظامنا الشمسي الذي يحتوي على نجمنا الذي يدور حوله كوكب الأرض. ولأن المسافات بين هذه المجرات أكبر من المسافات بين النجوم في مجرتنا، فإذا نظرنا على جميع المجرات من مسافة كافية لرؤيتهم جميعاً، فستكون مجرتنا أصغر من النقطة التي ذكرتها سابقاً. في عام 1977م أطلقت وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) قمراً صناعياً لأهداف استكشافية في مسار يخرج عن نظامنا الشمسي، ولم يخرج القمر عنه إلا قبل سنة، فقد استغرق في رحلته فقط للخروج من نظامنا الشمسي حوالى 43 سنة! إلا أنها رحلة مثمرة مليئة بالاكتشافات يمكن الحديثعنها في مقال آخر، أما الآنأترك لكم التفكر في عظم حجم هذا الكون وصغر حجمنا فيه.
*باحث استراتيجي الهيئة السعودية للفضاء [email protected]