أعرب الكاتب عبد الرحمن بن عبيد السدر أسفه على قرب انتهاء شهر رمضان المعظم، قائلا: ما أسرع انصرام العمر ومرور الأيام وتعاقب الليالي, فلم يبقى إلا اليسير من شهر طالما انتظرناه بكل شوق، فماذا عملتم فيما مضى؟، وكيف استعدادكم لما بقى؟ إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى يدني من الأجل فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً فإنما الربح والخسران في العمل واستشهد السدر بقول أحد السابقين: العمر قصير فلا تقصره بالغفلة, وهذا حق فإن الغفلة تقصر الساعات، وتستهلك الليالي، ولقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ). فإن الأيام والليالي مطيتان تنقلان الإنسان إلى السعادة الأبدية أو إلى العذاب السرمدي. وتابع السدر: أنظروا في الدنيا، وسرعة زوالها، وفنائها، واضمحلالها، ونقصها، وخِسّتها، وألم المزاحمة عليها والحرص عليها، وما في ذلك من الغُصصِ والنغص والأنكاد، وآخر ذلك الزوال والانقطاع، مع ما يعقب من الحسرة والأسف، فطالبها لا ينفك من همّ قبل حصولها، وهمّ في حال الظفر بها، وغم وحزن بعد فواتها. وأنظروا في الآخرة، وإقبالها، ومجيئها ولا بُدّ، ودوامها وبقائها، وشرف ما فيها من الخيرات والمسرات، والتفاوت الذي بينه وبين ما ههنا، فهي كما قال سبحانه: (وَالآخرة خير وأبقى)، فهي خيرات كاملة دائمة، وهذه خيالات ناقصة منقطعة مضمحلة. وعلى قدر رغبة العبد في الدنيا ورضاه بها، يكون تثاقله عن طاعة الله وطلب الآخرة، ويكفي في الزهد في الدنيا قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَعناهم سِنِينَ تُمْ جاءهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أغنى عَنهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَعُونَ). فما ضرب عبد بعقوبة، أعظم من قسوة القلب، والبعد عن الله، فلقد خلقت النار لإذابة القلوب القاسية، فأبعد القلوب من الله القلب القاسي، وإذا قسا القلب قحطت العين. فقسوة القلب من أربعة أشياء إذا جاوزت قدر الحاجة: الأكل، والنوم، الكلام، والمخالطة، كما أن البدن إذا مرض لم ينفع فيه الطعام والشراب، كذلك القلب إذا مرض بالشهوات لم تنجع فيه المواعظ. شُغِلَ الغافلون قلوبهم بالدنيا، ولو شغلوها بالله والدار الآخرة، لجالت في معاني كلامه وآياته المشهودة، ورجعت إلى أصحابها بغرائب الحكم وطرف الفوائد. إذا أراد الله بعبدِ خيراً جعله معترفاً بذنبه، ممسكاً عن ذنب غيره، جواداً بما عنده، زاهداً فيما عند غيره، محتملاً لأذى غيره، وإن أراد به شراً عكس ذلك. فاتباع الهوى، وطول الأمل، مادة كل فساد؛ فإن اتباع الهوى يعمي عن الحق معرفة وقصداً، وطول الأمل ينسى الآخرة ويصدّ عن الاستعداد لها. إخوة الإيمان إياكم والغفلة عمن جعل لحياتكم أجلاً، ولأيامكم وأنفاسكم أمداً، ومن كل ما سواه بُدّ ولا بُدّ لك منه. فلقد كان السلف الصالح يبادرون أنفاسهم في حفظ أوقاتهم, ولهم في ذلك قصص عجيبة. وشهر رمضان فرصة للتزود من الخيرات، والعودة لرب الأرض والسماوات، والاستعداد للرحيل، فهو مدرسة لتنظيم الأوقات، واستثمارها فيما يقرب من الله عز وجل. فنهار رمضان للصيام وقراءة القرآن، وليله للقيام والصلاة. اللهم أصلح لنا أحوالنا, واحفظ علينا أعمارنا، وثبت أقدامنا، واستعملنا في طاعتك يا حي يا قيوم، وصلي اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. عبدالرحمن بن عبيد السدر