يتصدر الحديث عن واقع ومستقبل السوق العقارية المحلية، أغلب الحوارات والنقاشات منذ عدة أعوام، ولم خرج من دائرة الإشكالات، وما تسببت فيه التشوهات الكامنة في تلك السوق من آثار عكسية تنمويا واقتصاديا واجتماعيا. فلا يزال المستثمرون وتجار العقار يعانون تصريف منتجاتهم العقارية المختلفة من جانب، ومن جانب آخر؛ لا يزال أيضا الباحثون عن تملك أراضيهم ومساكن العمر يعانون بدرجة أكبر في تحقيق ذلك الهدف. وتحاول وزارة الإسكان مع عدد من الجهات الحكومية تقديم مبادرات وبرامج تهدف إلى تطوير السوق العقاري وتنظيمه وإحداث نقلة نوعية لتحسين أداء القطاع العقاري. أحدتلك المبادرات كان تأسيس الهيئة العامة للعقار والتي تتولى عدة مهام تهدف إلى تطوير السوق العقاري وتنظيمه، ووضع معايير تضبط الأنشطة العقارية وإصدار التراخيص العقارية والإشراف عليها، ومراقبة المؤشر العقاري لضمان تحقيق الاستقرار والتوازن في السوق وإجراء الأبحاث والدراسات في هذا المجال. مؤخراً صنفت الهيئة العامة للعقار أول مكتب عقاري في المملكة يطبق معايير تصنيف منشآت الوساطة العقارية، التي تسهم في زيادة الموثوقية ورفع نسبة التوطين، وتنوع الخدمات وتحسين التعاملات. تحدث عدد من العقاريينعن مزايا تصنيف مكاتب وشركات الوساطة العقارية الذي بدأت تنفيذه حاليا الهيئة العامة للعقار بهدف تنظيم القطاع، والحد من الممارسات السلبية كالصفقات الوهمية والأموال الساخنة التي تؤدي إلى ارتفاعات غير حقيقية تهدد الثقة في المجال، ضبط عمل الوسطاء، ومحاسبة المخالفين، فتح المجال للسعوديين، تحديد سجل خاص لكل وسيط يحمي المتعاملين من الغش والتدليس.
التصنيف يقضي على الانفلات والاحتكار ووصف كتاب اقتصاديون ومتداولون عقاريون قرار هيئة العقار تصنيف منشآت الوساطة العقارية في السعودية بالخطوة المهمة ضمن جهود ضبط هذا القطاع الأكثر فوضوية، في ظل غياب اشتراطات محددة للأعمال التي ينفذونها، وتعتبر هذه المنشآت أحد أهم أسباب تضخم العقار وانفلات قيمته، حيث يعتبرون المصدر الأول لعمليات المضاربة واحتكار المعروضات في وقت سابق، وهو ما تم احتواؤه بفرض ضريبة القيمة المضافة، كما أن نسبة مؤثرة من هذه الشركات تحت سيطرة الأجانب عن طريق التستر؛ مما ينعكس على تضاؤل فرص توطينها. الكاتب بدر العواد في صحيفة الوئام كتب تحت عنوان “تصنيف المنشآت العقارية.. خطوات للأمام” أكدان التصنيف العقاري للشركات العاملة في المملكة العربية السعودية يمثل بداية عهد جديد، بعد أن أقرته هيئة العقارات لعمل هذه الشركات، وفق ضوابط محددة ليجد المستفيدون جهة جديرة بمنح الثقة، نظرا لأهمية الأمر وما تطلبه هذه التجارة من أموال طائلة قد تفتح المجال للمحتالين الذين يستغلون هذه الثغرة من أجل التصيدوالتكسب غير المشروع”. كما أكد الكاتب عصام الرحيلي في مقاله بصحيفة أرقام تحت عنوان “تصنيف منشآت الوساطة العقارية حماية للجميع” أن التصنيف سيسهم بشكل كبير في تحقيق الحماية لمكاتب الوساطة المعتمدة وإبعاد المتلاعبين عن قطاع الوساطة العقارية، ما يضمن حماية حقوق جميع الأطراف ويلبي احتياجات المستفيدين من وجود قطاع موثوق ومنظم. مثمنا جهود الهيئة الرامية لتنظيم الأنشطة العقارية في المملكة، ومن ضمنها تصنيف منشآت الوساطة العقارية ورفع جودتها وكفاءتها وحفظ اقتصاد الوطن من المتلاعبين لمصلحة بائع أو مشتر أو للتأثير على اتجاه السوق. وأكد رئيس لجنة التقييم العقاري بالغرفة التجارية بجدة عبدالله الأحمري على ضرورة وجود أنظمة صارمة تحد من عمل «سماسرة العقار» معربا عن أمله في أن يسهم تصنيف المكاتب وشركات الوساطة في تنظيم هذا العمل ومحاسبة المخالفين، وأشار الأحمري إلى أهمية وجود نظام يحكم عمل الوسطاء وتحديدًا الوافدين وإعطاء الفرصة الكاملة للسعوديين، موضحًا أن عددًا لا يستهان به من المقيمين هم من يديرون كثيرًا من المكاتب العقارية مما أثر سلبًا على المهنة، وأشار إلى أهمية التصنيف في تحديد سجل خاص لكل وسيط أو مكتب يعرف من خلاله لدى الجهات الحكومية، حتى لا يتعرض أي متعامل للغش أو التدليس، وأعرب عن أسفه لأن كثير من ضعفاء النفوس أجروا سجلاتهم ومكاتبهم لدخلاء المهنة، رغم أن النظام لا يسمح بذلك ويؤكد على أن من يعمل في الوساطة العقارية هم السعوديون أنفسهم بدون تدخل من المقيمين، وطالب الأحمري بعقوبات وغرامات على الدخلاء غير النظاميين في السوق.
قرار تاريخي ويعتبر عبد الله الزير، الذي يمتلك شركة للتطوير العقاري، قرار تنظيم شركات الوساطة من أهم القرارات التي يمكن وصفها بالتاريخية في ظل عشوائيته واحتكاره، وطرق التعامل التي لم تتغير منذ نشأته قبل عشرات السنين، ورغم تضاعف الأعمال وتصاعد الاقتصاد السعودي وتفاعل القطاعات المساندة له بالعمل حسب هذا الازدهار، فإن ذلك لم يشمل هذه الشركات التي ظلت تقاتل للحفاظ على بيروقراطيتها واحتكارها وعدم الاندماج ضمن تنمية الاقتصاد المحلي الذي يتطور بشكل مستمر، مضيفاً بأن نسبة من العاملين في هذا القطاع أصبحوا يورّثون هذه المهنة لأبنائهم لاستمرار الأعمال بالشكل القديم. وأضاف: «يتضح ذلك من خلال تباطؤ أو انعدام ظهور منشآت وساطة جديدة تعمل في الأحياء القديمة أو القائمة منذ سنوات، وذلك لاحتكار الموجودين هناك وتضييقهم على من يحاول الدخول ضمن دائرتهم الضيقة.
من جانبه، أوضح عبد العزيز الشمري، الذي يدير عدداً من المشاريع العقارية، بأن الحد من تجاوزات مكاتب الوساطة أمر مهم للغاية، ولا يمكن تنبؤ مدى استمرار التغافل عنها وانعكاس ذلك، ضارباً المثل بأن أحد أكبر أسباب التضخم التي حدثت في السوق هو توجه نسبة من شركات الوساطة في تغذية المضاربات العقارية وتهيئة الجو الملائم لها للخروج بما يسمى «السعي»، وهي 2.5 في المائة من قيمة أي منشأة عقارية في حالة البيع والشراء؛ مما دفع القطاع إلى تزايد قيمته، مؤكداً أن شركات الوساطة تتربع على أكثر الأفرع العقارية التي يتم التسجيل بحقها مخالفات مستمرة نتيجة تحايلهم أو التفافهم. وزاد الشمري، بأنه يجب وضع معهد مخصص لتهيئة الجيل القادم في كيفية القيام بأمور الوساطة بالشكل الصحيح المتعارف عليه دولياً، والتأكيد على احتواء أنشطتهم؛ كونها عنصراً اقتصادياً مهماً يعتمد علية شريحة كبيرة من المتعاملين كمصدر دخل رئيسي، وحاجة المستفيدين إلى خدماتهم أيضاً بالطريقة التي تكفل للجميع حفظ الحقوق والالتزام بالمعايير التي تضمن تأهيل جيل جديد واعٍ من الوسطاء العقاريين يقدم خدماته بمهارة ومسؤولية. وقال الخبير العقاري خالد بارشيد رئيس اللجنة العقارية بغرفة الشرقية الأسبق: إن الوساطة هي لب السوق العقارية، إن جاز تسميتها، مشيرًا إلى أنها علم بحد ذاته يجب على من يمارسها أن يكون ملمًا بطرق التثمين العقاري بطريقة علمية، وأضاف: إن تصنيف منشآت الوساطة العقارية لدى الهيئة العامة للعقار، أمر مهم للغاية للحد من الممارسات السلبية والأموال الساخنة التي قد تدخل السوق لفترة قصيرة من أجل رفع السعر على غير الحقيقة تحقيقًا لمصالح آنية ضيقة، وأبرز أهمية التصنيف لاسيما أن السوق العقارية حاليا بدأت بالتعافي، فيما تزامن ذلك ظل إطلاق الهيئة العامة للعقار لتنظيم القطاع عبر نظام متكامل يضمن حقوق جميع الأطراف. وأعرب د.خالد الدوسري صاحب مكتب عقاري عن ثقته في إعادة تنظيم القطاع، مشيرًا إلى أن تشويه البعض للسوق يضر بالجميع، وأعرب عن تطلعه إلى تقليص الممارسات السلبية إلى أقل مستوى ممكن، لافتًا إلى أن الفترة الأخيرة شهدت متغيرات عديدة ترتبط بجهود الدولة لتنويع الخيارات السكنية على كل المستويات.
تأهيل العقاريين من جانبه، أكد فيصل الصانع، الذي يدير شركة مقاولات متخصصة، بأن تأهيل العاملين في منشآت الوساطة أمر لا مفر منه في حال رغبتهم في البقاء على الساحة؛ لذا يجب عليهم التعاطي مع الواقع الجديد والتقنيات الحديثة، ويتضح ذلك عند تطبيق برنامج «إيجار» الذي كشف عن العشوائية فيها وعدم قدرتها على مواجهة التطورات؛ مما حدا بهيئة العقار للمسارعة في تصنيفهم وتدريبهم عبر اشتراطات محددة، للاطمئنان بأن المنشأة المصرحة تطبق المعايير؛ مما يعني وصولها مرحلة التنظيم والكفاءة والقدرة على التعامل مع مستجدات القطاع العقاري. وأشار الصانع، إلى أن حجم البلاغات المسجلة على منشآت شركات الوساطة، التي أعلنتها وزارة الإسكان عبر برنامج «إيجار» خلال النصف الأول من العام الحالي، تجاوز ال800 بلاغ مباشر، وهذا يكشف عن ضرورة تأهيلهم وتدريبهم على أن المسؤوليات الملقاة على عاتقهم أكبر بكثير مما يقومون به، وأن التطور يمنحهم أيضاً التوسع في العمل بشكل أكبر، وأن القوانين وضعت للتطوير وتحفيز القطاع وليس لعرقلتهم أو الحد من إمكاناتهم. جهود الهيئة وكانت الهيئة العامة للعقار قد أوضحت أن التصنيف لأول مكتب نموذجي يعد مُحفزًا لبقية المنشآت العقارية للحصول على التصنيف العقاري مبينة أن التصنيف يتضمن أربعة معايير يشترط تطبيقها للحصول على الخدمة، يتمثل المعيار الأول في الالتزام بتطبيق الحد الأدنى من نماذج العقود الموحدة والمعتمدة من الهيئة العامة للعقار والتي تشمل عقود التسويق، وعقد الرغبة بالشراء، ومحضر الاستلام والتسليم للوحدات العقارية، بينما يشترط المعيار الثاني على المكتب العقاري تقديمه لثلاث خدمات أو أكثر من الخدمات العقارية المعتمدة التي من ضمنها الوساطة العقارية، ومستشار عقاري، ومصلح عقاري، وإدارة مرافق، وإيجار، وملاك، ووافي. وأبانت الهيئة أن المعيار الثالث يُلزم اجتياز موظف المنشأة أو المرخص له بدورات تدريبية لثلاث خدمات عقارية على الأقل، وذلك بهدف تنمية الكفاءات الوطنية وتوطين هذا القطاع، وتحسين الخدمات العقارية المقدمة، فيما اشترط المعيار الرابع على المنشآت الراغبة في التصنيف أن تكون ذات كفاءة وتميز في الخدمات المقدمة، وتمتلك التجهيزات المناسبة التي تلبي تطلعات العملاء. وتقدم الهيئة التدريب والتأهيل للراغبين في العمل بالمجال العقاري، بالإضافة إلى تنظيم الإعلانات العقارية ومراقبتها ووضع الضوابط اللازمة لضمان المصداقية في المجال وتقديم الأفضل، وقد قامت الهيئة بإنشاء بوابة إلكترونية تحتوي على قاعدة معلومات عقارية وإتاحتها للمهتمين وتحديثها دورياً.
ترحيب وتفاؤل بنجاح الجهود تفاؤل يعم الشارع السعودي بالدور الذي يمكن للهيئة العامة للعقار أن تضطلع به ومن خلال المهام الموكولة إليها، للارتقاء بواقع السوق العقارية في المملكة، وإثراء بيئتها، وتمكينها من الارتقاء بالمعايير الاحترافية التي تحكم أنشطتها، وذلك من خلال تعزيز معدلات الشفافية، وبناء المؤشرات العقارية، وتحفيز قدرات القطاع العقاري وصولاً إلى حالة التنظيم والتكامل المنشودة لهذا القطاع الحيوي. وهذا يقتضي بدوره تعاونا والتزاما عالي المستوى من قبل كل أفراد المجتمع، بدءا من رفض التعامل في هذا المجال مع أي وافد، والتعاون مع الهيئة العامة للعقار بالإبلاغ فورا عن أي مخالفة يواجهها، وعدم الرضوخ لأي ضغوط من أي طرف من الأطراف في سياق بحثه عن تملك أو استئجار أي أصل عقاري. والتأكيد هنا أن نجاح تلك المساعي والجهود بمشيئة الله تعالى، سيكون أحد أسباب استقرار الأسعار وتكاليف الإيجارات، وعودتها إلى الخضوع لعوامل العرض والطلب والأوضاع الاقتصادية والمالية القائمة، الذي يعني بدوره عدالتها وتجانسها مع المتغيرات القائمة، على العكس تماما مما كانت عليه طوال العقود الماضية.