يبدو أن الحديث عن واحدة من الجمهوريات العربية هو حديث عنها جميعاً، فكل أنظمتها الحاكمة تمتلك العقلية العسكرية نفسها ،تلك العقلية التي تتعامل مع الأوطان على أنها محميات وأملاك خاصة، ولا تعرف من الألوان سوى الأبيض والأسود ،ولذلك فالحلول معها مستحيلة إذ هي لا تعترف بأنصاف الحلول ، فإما أن تذعن الشعوب لكل أحكامها وإما أن تعلن هي الحرب عليها . وحين تثور الشعوب عليها فاعلم أنها بلغت من الحرمان حد أن تقول ( أنا الغريق فما خوفي من البلل )... كذلك يبدو أن الجامعة العربية تتعامل مع الجمهوريات العربية على هذا الأساس ،أو قد تكون هي أيضاً قائمة على نفس الطريقة في التفكير ، فتعتبر الأنظمة والأوطان لهما ذات المعنى ، وعلى ذلك فأي خطر على النظام من الشعب ما هو إلا خطر على الوطن!. ولا أكتم القاريء أني عدت لميثاق الجامعة العربية لأطلع على بنوده وأعرف هل هي خاصة بالأنظمة العربية أم أنها تشمل الشعوب كذلك ،والحق أني وجدت الميثاق يتحدث عن العلاقات بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية ، بيد أني لم أجد تفسيراً دقيقاً لمعنى الدولة ولا أدري إن كانت تعني الوطن أم أن لها معنى آخر، كأن تعني الحكومة أو النظام مثلاً ، فهناك – كما تعلمون – تعريف إجرائي بإمكان المجتمعين أن يتفقوا عليه و يقولوا : أي كلمة للدولة ترد في هذا الميثاق فإن المقصود بها ( الحكومة أو النظام ).وبما أن التعريف الاجرائي مصطلح من النادر أن يستخدمه غير الباحثين ،فإن من السذاجة أن أبحث عن معنى آخر للدولة لولا أن الزمن الذي أبحث فيه هو زمن أحكام قراقوش أو هو زمن بشار و القذافي ،لكن بالله عليكم ألا يشفع لي هذا الموقف الذي تقفه الجامعة العربية من الأحداث في سوريا بأن أفهم الأشياء على غير حقيقتها . فأمينها الجديد – نبيل العربي- وهو الذي خرج من رحم الثورة المصرية يغضبه أن قالت واشنطن عن الأسد إنه قد فقد شرعيته ،ويؤكد على أن أحداً لا يمكنه سحب الشرعية من أحد ، قبل أن يستدرك على استحياء ويقول ( أن الشعب هو من يقرر ذلك !) .وكأن الثائرين على النظام الموالي لملالي طهران ليسوا سوريين أو كأن إسرائيل هي التي تطالب بإسقاطه ! .وقد كان من الممكن أن تمتص الشعوب هذا التصريح على مضض وتكون أعقل من الجامعة وأمينها ، فلا تقطع الصلة بهما قطعاً حاسماً ، لولا استمرار الموقف المتخاذل من الجامعة العربية وانحيازها الواضح للنظام على حساب الشعب ، فهي غير عابئة بما يحدث للشعب السوري الأعزل ، كما لو أن مهمتها الإبقاء على الأنظمة لا الدفاع عن الشعوب ، فهل الجامعة تنتظر وقتاً لا يجد فيه النظام شعباً يحكمه لتتحرك ! ،و لا يبدو ذلك مستحيلاً مع شبيحة النظام و ميليشيات حزب الله ... ما يتعرض له الشعب السوري الأعزل من عمليات القتل والسحق والتنكيل يُخال من الخرافة وهو صدق ،فأي نظام يحمل لشعبه هذا الكم الهائل من الأحقاد ،وكيف يمكن لشعب أن يتعايش مع نظام استباح دمه وقتل أبناءه ، فنظام – الممانعة – السوري قد اجتاحت آلته العسكرية المدن السورية كلها إلا الجولان المحتلة جالبةً معها القتل والدمار و موجهة أسلحة ثقيلة لصدور عارية لا تحمل بين أيديها سوى أوراق وأقمشة خلط النظام أحبارها بدماء الحاملين لها ، وليس ذلك فحسب بل وصل حداً من اللا إنسانية إلى درجة التمثيل بالجثث ورميها في نهر العاصي ، فلا يغري ذلك كله الجامعة العربية بأن تتكلم ،ولا هو يثير مشاعرها فتدعو ذلك النظام بأن يكف عن ظلمه و غيه ،بل الشعب لا يأمل منها أكثر من أن تشجب و تدين و تستنكر،وهي التي أفنت عمرها في الشجب والإدانة والاستنكار ! ،بل ليتها التزمت الصمت والحياد، وتوقفت عن دعم ذلك النظام و شبيحته والتماس الأعذار له، خصوصاً أن ذرائعه وحججه قد ملها واستهجنها أقرب حلفاءه ؛ فحتى روسيا قد قالت أنها لن تعارض قراراً أممياً بإدانة العنف في سوريا .والحقيقة أن موقف الجامعة العربية كان بالنسبة إليًّ صادماً لا لأني أعتقد بقيمة المواطن العربي أو أني منخدع بقوة الجامعة ودرجة تأثيرها – لا سمح الله – ولكن للدور الذي كان يمارسه النظام السوري في الجامعة العربية وخروجه منها إلى غيرها،وعمله على تخريب أغلب المبادرات العربية ، فكثيراً ما كان النظام ساخراً من قرارات الجامعة العربية مهرجاَ تحت قبتها... شافي الوسعان