محمد بن محسن تأتي صناعة الإيدلوجيات على إختلاف أنواعها لتنحى قسراً بالعقل الجمعي للجماهير المستهدفة إلى قناعة معينة قبل أن تحول عقولهم إلى كؤوس فارغة يسكب فيها أرباب تلك الصناعة مارغبوا من قناعات وأفكار خُلطت بما أُريد أن يُظن أنها تقدمية. أو إصلاحية أوثورية أحياناً أخرى، وكذلك هو الحال بطبيعته حين يُستهدف شخص ما بعينه إما لتبوئه منصب مهم أو إمتلاكه مكانة مؤثرة. وتأتي هذه الصناعة بأكثر السيناريوهات الممكنة رعباً وأبشعها تصوراً ولترسم مستقبلاً مظلماً على مستوى الحريات والحقوق وحتى قدرة الإنسان على التحكم بعقله فلربما تحول بفعلها يوما ما إلى ألة تحمل عقلاً دون القدرة على إعماله. فما يبدو للوهلة الأولى أنه حديث عن أحد أفلام الخيال أو عن فكرة يستحيل تحقيقها أو حلم بعيد المنال أصبح قاب قوسين أو أدنى من وكالة الإستخبارات الأقوى عالمياً إن لم يكن قد تحقق بعد. ولعل ما ينتظم في عقل القاريء بعد قراءته لعشرات الكتب التي ألفها عملاء سابقين لوكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية يدل على أن السيطرة على العقل البشري أصبحت ممكنة أو كادت وتجاوزت حشوه عبر منصات الإعلام و….إلخ. إلى إبتكار عقاقير طبية يُحقن بها الضحايا فتغير من كيمياء عقولهم، وتورثهم قناعات أخرى أُختيرت لتحفز على تنفيذ أجندة معينة. لذا فإن ما أتحدث عنه هنا ليس خيالاً، ولا بروباغندا أمريكية، بل هي معلومات تضج بها الكثير من الكتب التي تقبع على رفوف المكتبات الأمريكية. ومن ذلك ما تحدثت به (ماري د جونز) و(لاري فلاكسمان) في كتابهما (حروب العقل) وبإسهاب وإطناب، وبإمكان القاريء الكريم أن يزيد من رصيده المعرفي عن ذلك بقراءته. إحدى المقولات المرعبة في ذلك الكتاب كانت لكيث هانسون وهو أحد صانعي الإستراتيجيات السياسية ومحلليها للمكتب التابع للبنك الدولي في أمريكا والبحر الكاريبي وسائل التجنيد التي تقوم على حقن الضحايا بكيمياء العقل طوال مدة السجن تجعل الطائفة الدينية أكثر خطورة مما هي عليه الآن والمعنى هو تحويل المعتقل إلى آلة قتل. وقد أعقب إعلان هلنسكي تجارب لاإنسانية لاحصر لها أجرتها الحكومات الأمريكية المتعاقبة على السجناء وحفزت فكرة التحكم بالعقل البشري (للأعداء والمؤيدين) على حد سواء حتى أفضت في التسعينات الميلادية إلى نشؤ برامج لوكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية للسيطرة على العقل. لذا فالسعي الحثيث نحو هدف لاإنساني كهذا يدل على العقيدة التي وقرت في عقولهم ويبطل أيضاً إدعائهم أن بلادهم موطن الحريات وأنها من يرفع لواء الدفاع عن حقوق الإنسان بل ويعيد إلى الأذهان صورة (إدغار هوفر) رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي من عام خمسة وثلاثون إلى إثنان وسبعون من القرن الميلادي الماضي بتجاوزاته لقوانين العمل الأمني وتعديه السافر على الحقوق المدنية لمنتقدي سياسات الحكومات التي تعاقبت منذ تولي روزفلت للرئاسة في أمريكا إلى عهد الرئيس نيكسون مروراً بعهد ( جون كنيدي) وماتخلله من تجاذبات أثبتت مالهوفر من نفوذ صنعته الهيمنة على مفاصل الدولة من خلال التحكم بقرارات الوزراء الأهم في الحكومة آنذاك والذين طوعهم بطرق مختلفة وبذات العقيدة السلطوية التي مازالت تعتمر عقول صناع القرار هناك. ولايخفى على كل ذي لب الدور الذي يلعبانه مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الإستخبارات المركزية في توجيه الصراع الدائر في دهاليز السياسة الأمريكية والحوار الذي يدار في أروقة البيت الأبيض وماينتج عنهما وكذلك قدرتهما على التأثير في صانع القرار بالطرق التقليدية والغير تقليدية وتسيير السياسة على النحو الذي تريدان. وعطفاً على كل ذلك فمن البديهي أن نرى منهم ونسمع عنهم مايشبذب أذاننا حيناً فنطرب له ومايغضبنا حيناً آخر فنستشيط له غضباً. ولكننا في الحالين لايجب أن نُغفل ماتوصل إليه العلم الإستخباراتي من طرائق للتحكم بالعقل البشري بل ويجب ألا يكون بمنأ عن فهمنا لكل مايواجه بلادنا من هجمات إعلامية تتعدى الدعايات الانتخابية وماتتعرض له من حروب سياسة تتجاوز التقليدية إلى الوجودية. ربما وقع تحت تأثيرها من أبناء جلدتنا فأُستخدم ضدنا وربما طالت بعضٌ ممن هم بين ظهرانينا فأصبحوا سلاحاً يستهدفنا وفِي كافة الأحوال لايجب أن نستبعد بعضاً من ذلك على الأقل كفرضية ممكنة، طالما أننا نستطيع التحكم في عقولنا.