بدر محمد الغامدي تحمل همومك واستشعر ذنوبك التي أثقلتك ففي ظلمة ليل دامس تأخذك نفسك المتوضئة إلى زاوية محرابك الفسيح ليكون الموعد. موعد الصلة المباشرة بين الإنسان الفاني ومولاه الباقي إنه الموعد المختار للالتقاء بالنبع الذي لا ينضب إنه مفتاح الكنز الذي يُغني ويفيض. إنها الانطلاقة من حدود الواقع الأرضي الصغير إلى مجال الواقع الكوني الكبير إنها الروح والندى والظلال في الهاجرة إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود إنها زاد الطريق وغذاء الروح وشفاء القلب. لتصدح بالبداية "الله أكبر" فيسري في جسدك إشعاع السعادة، لتسترسل الحديث مع الله وحده حتى تضع جبهتك على الثرى، لترتفع حوائجك لمن يرى، وتردد بصوتك الذليل: [وعجلت إليك ربي لترضى]، ليكون المشهد الأعظم في هذه العبادة مصداقاً [واسجد واقترب]. لتتسابق قطرات الدموع بالانهمار فتمسح صدأ القلب وتطيب النفس بذلك فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله. أُمِر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأُمرت بالسجود فأبيت فلي النار. فأشرف أعضائك وأعزها، تضعها إذلالاً وتقرباً لربك العظيم. لتكون داعياً مسبحاً مفعماً بنفحاتٍ ربانية، ملتمساً من رب غفور رحيم، عفواً وعافية ونعيماً مقيماً، مردداً: سبحان ربي الأعلى. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد يسجد لله سجدة إلا كتب الله له بها حسنة ومحا عنه بها سيئة، ورفع له بها درجة، فاستكثروا من السجود. فكل ما سبق في الصلاة من بدايتها إلى السجود، كأنما هي مقدمة لهذه اللحظة العظيمة كيف لا، والسجود يتكرر مرتين في الركعة الواحدة أكثر من تكرار سائر الأركان بها، فهي خاتمة الركعة، وكما قيل "ختامها مسك". فهنا تتجلى الكلمات الرطبة بحب الخالق جل جلاله، وذلك لمناجاته، وطلب العفو والمغفرة والرحمة منه. فأروع ما في السجود أنك تهمس في أُذن الأرض، فيسمعك من في السماء. فعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من حالة يكون العبد عليها أحب إلى الله من أن يراه ساجداً يُعَفِّر وجهه في التراب. تدبر يا من تقرأ سطوري هذه الومضات، فقد ورد في القرآن الكريم لفظ الفعل لكلمة (سَجَد) للعاقل "34 مرة"، وهي مجموع عدد سجدات الصلاة المكتوبة في اليوم. وفي لفتة أخرى، عندما تسهو أو تخطئ في صلاتك، فإن جبر ذلك بالسجود وليس بغيرها، وفي ذلك فليتأمل المتأملون. فعن معدان بن أبي طلحة رضي الله عنه قال، لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة، أو قال قلت: بأحب الأعمال إلى الله فسكت، ثم سألته فسكت ثم سألته في الثالثة فقال: سألت عن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة. همست في نفسي وقلت: ردد معي في سجودك، بقلبك الطاهر، ولسانك الذاكر، لتكون لك الرافعة لذكرك وشأنك: إلهي.. إني أثق بك، وإن ألهتْني الغفلات عنك، وأبعدتني العثرات منك بالاغترار. إلهي.. أنا نعمة منك، وأنا قَدَر من قَدَرِك، أجري في قَدَرِك، وأسرح في نعمتك. إلهي.. أسألك يا منتهى السؤالات، وأرغب إليك يا موضع الحاجات، سؤال من كذّب كل رجاء إلا منك. إلهي.. أنا عبدك وابن عبدك، قائم بين يديك، متوسل بكرمك إليك، يا من يُعصى ويُتاب إليه فيرضى كأنه لم يُعْصَ، بكرم لا يوصف وتَحنُّن لا يُنعت. إلهي.. يا حنَان بشفقته، يا متجاوز بعظمته، يا قريباً لا يبعد عن المذنبين، ويا ودوداً لا يعجل على المقترفين للسيئات. إلهي.. اغفر لي وارحمني، وتجاوز عني يا أرحم الراحمين. badralghamdi@