مرضي العفري انظر..! أرأيت ذاك السعيد؟ ..ذاك .. غيرته كلمة من رجل طاعن في السن صادفه عند محطة القطار.. سار القطار وسار المتكلم وسار الزمن ولكن الكلمة ثبتت كما يثبت الرمح في خد الأرض ! كل الكلمات التي سمعناها طارت في مهب الرياح ما عدا بعض الكلمات التي أصبحت تتردد على الأذان مرات ومرات رغم أن قائلها لم يرددها ولكنها وجدت لها مكانا في النفس ، لا تستحقر الكلمة البسيطة العابرة حتى لو قلتها لطفل ، لا تستحقر النصيحة فلربما غيرت مجرى أحدا منهم ورسمت له طريقه وأضاءت له سبيله ، سلام على ذاك الذي لم يجزع من سرد الوصايا – فكان كلقمان لابنه وهو يعظه – ولو كانت عن طريق الاستمالة العاطفية، هل تعلم أن الإمام البخاري بدأ مشروع حياته العظيم من كلمة سمعها في مجلس؟ وسبب تأليفه لهذا الكتاب (صحيح البخاري) أنه كان في مجلس إسحاق بن رَاهُويه – إسحاق بن إبراهيم الحنظلي – شيخه ، فقال إسحاق : لو أن أحدكم يجمع مختصرًا في صحيح أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام ، يقترح هذا الشيخ على طلابه أن يجمعوا كتابًا مختصرًا في صحيح السنة النبوية . يقول البخاري : فوقع هذا الكلام في نفسي ، يعني يوم اقترح علينا إسحاق بن راهويه هذا الاقتراح قَدَح في ذِهني أن أقوم بهذا الجَمْع ، وبادر بالفعل بهذا الجمع من فترة مبكرة الأوزاعي.. وما أدراك ما الأوزاعي؟ ذاك الإمام الفقيه المحدث وأحد تابعي التابعين وإمام أهل الشام في زمانه. " خرج الأَوْزاعي في بعثٍ (مجاهدًا) إلى اليمامة، فلما وصل إليها دخل مسجدها، فاستقبل سارية يصلي إليها، وكان يحيى بن أبي كثير قريبًا منه، فجعل يحيى ينظر إلى صلاته فأعجبته، وقال: ما أشبه صلاة هذا الفتى بصلاة عمر بن عبدالعزيز! قال: فقام رجل من جلساء يحيى فانتظر حتى إذا فرغ الأَوْزاعي من صلاته أخبره بما قال يحيى، فجاء الأَوْزاعي حتى جلس إليه، فسأله عن بلده، وعن حاله، وجرى بينهما كلام، فترك الأَوْزاعي الديوان، وأقام عند يحيى مدة يكتب عنه، وسمع منه، فقال له يحيى: ينبغي لك أن تبادر إلى البصرة؛ لعلك أن تدرك الحسن البصري ومحمد بن سيرين فتأخذ عنهما " (تاريخ دمشق لابن عساكر ) * ومضة : هناك أناس..ضعفاء الثبات قد تحطم قارب أحلامهم من رماح خرجت من فم غير معطر فطعنتهم وألقتهم على الأرض فلا تكاد تسمع لهم ركزا..! اجتث بذرة النقد اللاذع والهجوم المبطن بالكلام من سويداء قلبك ولا تدعها تنمو كنمو أشجار الصنوبر ..! أيها القاري الحبيب .. هناك أشخاص كالبخاري والأوزاعي ينتظرون ميلاد كلمة ، فلا تستحقر الكلمات الجميلة العابرة فلعل صداها تنقذ بها الغريق والحائر والعبقري والنابغة والغافل والنبيه...! مرضي العفري للتواصل مع الكاتب: Twitter : @almohand999 Snap : almoh9nd