ظهرت الحوكمة كنتيجة حتمية للانهيارات الاقتصادية والأزمات المالية التي شهدتها عدد من دول شرق أسيا وروسيا وأمريكا اللاتينية، والأزمة المالية التي عصفت بالولايات المتحدةالأمريكية أدت إلى أزمات مالية كبيرة وانهيارات اقتصادية شديدة. وقد يكون السبب الرئيس لظهور الحوكمة الأخطاء التي تحدث في إجراء عمليات التدقيق وفي الإجراءات الإدارية والمالية والتنظيمية في الشركات والمؤسسات الحكومية، وما تم اكتشافه من خلل وقصور في التقارير المالية وافتقداها للدقة والضبط في المراجعات المالية والإدارية. والحوكمة هي الطريقة التي تتم بها إدارة المؤسسة والشركة وطريقة التعامل مع جميع أصحاب المصالح، ويقصد بها الأنظمة والإجراءات الإدارية التي تحكم العلاقات والتعاملات بين الأطراف الأساسية المختلفة في المؤسسة أو الشركة؛ بهدف تحقيق الشفافية والعدالة ومكافحة الفساد وتطبيق المحاسبية والمساءلة. وهل حوكمة الإجراءات الإدارية والمراجعات المالية تضمن للمؤسسة تحقيق الشفافية والعدالة بين أصحاب المصالح؛ أمّا أنّ هناك عوامل أخرى لها دوراً كبيراً في تطبيق الحوكمة. فالحوكمة تعني القرار الحكيم والرشيد، والقرار الحكيم يكون في نوعية القرار وصحته الصادر من قائد المؤسسة، وأيضاً يكون في الإجراءات الإدارية والمالية التي تحققه. ويتضح من ذلك أن كفاءة القائد وجدارته وحكمته هي العنصر الأول والرئيس في تحقيق الحوكمة وتطبيقها والوصول إلى القرار الحكيم الرشيد، وإلا لا يمكن ضبط الإجراءات الإدارية والمالية والتنظيمية. وحينما نتأمل واقع المؤسسات الحكومية والشركات يُلاحظ أنها تبذل جهوداً في مجال ضبط الإجراءات الإدارية والمالية وتنظيمها، وفي المقابل يوجد غياب للقيادات المؤهلة الجديرة بتولي العمل القيادي، والدلالة على ذلك ما أشارت إليه إحدى الدراسات العلمية التي قدمت في مؤتمر القيادات الإدارية الحكومية بمعهد الإدارة إلى وجود عشرة معايير سلبية هي الأكثر شيوعاً في اختيار القيادات هي: (المعرفة الشخصية – الولاء للمسؤول – الاعتماد المذهبي – الطاعة العمياء للرئيس – المحسوبية – النفاق والتملق – الانتماء الإقليمي – مساعدة ذوي النفوذ – المكانة الأسرية للمرشح)، ويلاحظ أن تلك المعايير تفتقد إلى الموضوعية والجدارة والاستحقاق في الاختيار والتعيين، ويعد اختيار عنصر الشفافية في تطبيق معايير اختيار القيادات أحد أبرز التحديات في عملية الاختيار. فالحكومة ونجاحها يرتكز على عنصرين رئيسين الأول حوكمة اختيار القيادات المؤهلة والجديرة بالعمل القيادي، والثاني حوكمة الإجراءات الإدارية والتنظيمة وضبط الرقابة المالية، ولا يمكن أن تنجح الحوكمة في أهدافها وبرامجها وتطبيقاتها إذ لم تكن شامل لكلا العنصرين معاً. فإذا ظلت إجراءات اختيار القيادات في المؤسسات الحكومية تفتقد إلى الحوكمة والضبط في إجراءاتها وترتكز على الجانب الشخصي الذاتي فلن ولن تنجح المؤسسات في تحقيق أهدافها وخططها وبرامجها، وستغيب الشفافية الإدارية والمساءلة المحاسبية، ويصبح العمل تحت سيطرة القائد وليس الإجراءات. ولحوكمة إجراءات اختيار القيادات لتولي المناصب القيادية في المؤسسات الحكومية مراحل وخطوات تتسم بالعدالة والموضوعية في اختيار الكفء والجدير الذي يسهم في نجاح المؤسسة. د. خالد بن عواض الثبيتي أستاذ الإدارة والتخطيط الاستراتيجي المشارك