اعتبر كثير من المتخصصين والإعلاميين أن النداء الذي وجهه رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الأستاذ خالد المالك للقيادة العليا بالتدخل لتدارك انهيار الصحف اليومية ودعمها ماديًا تأبينًا للصحف الورقية، لقد سبق مطالبة خالد المالك بالتدخل انهيار صحف مثل "الشرق" السعودية وصحيفة "النادي" الرياضية اللتين توقفتا بسبب تدهور الأوضاع المادية. وبدأت بوادر هذا التراجع منذ 2013 لكن بعض تلك الصحف لا تزال تكابر حتى الآن في ظل خسائرها الباهظة، فبعضها سرحت كثيرًا من الصحفيين، وقدمت إدارات التحرير استقالات جماعية، وأخرى توزع نسخها مجانًا، وأخرى قللت من عدد صفحات النشر. إن مسلسل انحسار الصحافة الورقية لم يكن مقتصرًا على الصحف المحلية فحسب، فقد تأثرت صحف ومجلات عربية آخرها جريدة "السفير" اللبنانية التي أعلنت توقفها عن الصدور، وهناك تراجع حاد في توزيع الصحف المغربية وفي اعتقادي أن جريدة "السفير" لن تكون الأخيرة في قائمة الصحف العربية التي ستقفل أبوابها أو تنشر نسخها افتراضيًا. أما على المستوى العالمي فهناك صحف ومجلات تراجعت مثل: صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية التي تحولت إلكترونيا وصحيفة "ليموند" الفرنسية التي تراجعت إعلاناتها بشكل هائل، كما توقفت صحف أخرى عن الصدور وأعلنت إفلاسها بسبب قلة الإعلانات وتراجع قراءتها.
هناك أسباب عدة أسهمت في انحسار الصحف المحلية: أولها عزوف الشركات المعلنة عن الإعلان في الصحف المحلية التي تراجع انتشارها وعدم وصولها للجمهور المناسب لتلك الشركات. كما أن بيروقراطية المؤسسات الصحفية المتمثلة في القيادات التي لا تزال تؤمن بالورق والأحبار ولا تستوعب التقدم في العالم الرقمي سبب رئيس في انحسار تلك الصحف.
إن من أهم الأسباب التي أدت إلى تراجع قراءة الصحف الورقية أنها لا تلبي تطلعات "جيل الألفية" وهو الجيل الرقمي الذي أصبح يفهم ويحلل وله القدرة على الاستيعاب ويبحث عن المعلومة السريعة، فأصبح يشبع رغباته من خلال "صحافة المواطن" المتمثلة في الشبكات الاجتماعية التي يثق فيها ويرى أن معلوماتها دون فلترة ورقابة، فالأشخاص العاديون هم الذين يصنعون هذا الإعلام ومن ثم يتفاعلون معه. فبحسب تقديرات أمريكية 90 في المائة من المجتمع الأمريكي يأخذون الأخبار اليومية من مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن الأسباب المهمة لانحسار الصحف المحلية، أنها لم تغير من محتواها وبقيت تنشر التقارير المطولة والمقالات التي لم تعد تناسب الجيل الجديد الذي يبحث عن المعلومة المختصرة بالإضافة إلى عدم الاهتمام بالمحتوى التفاعلي مثل الانفو جرافيك والفيديوهات الذي يجلب مزيدًا من تفاعل القارئ وتخلق الأثر المطلوب.
في اعتقادي أن الصحف الورقية لن تموت، ربما تمرض وتنحسر لصالح الصحافة الإلكترونية والمنصات الرقمية, ولن يغير الدعم المادي شيئًا في تراجعها، ربما يساعدها لفترة من الزمن, لكن ينبغي على هذه الصحف أن تتغير على المستوى القيادي والإداري، وأن تواكب التطورات التقنية والاهتمام بإدخال الاتجاهات الجديدة للصحافة مثل: صحافة "الموبايل" التي تعتمد على الفيديوهات التفاعلية، والصحافة الاستقصائية، وصحافة البيانات, والاستفادة من الفرص التي تقدمها البيانات الضخمة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تسهم في تنوع وجودة المحتوى ودقته بديلًا عن القص واللصق اللذين يمارسهما كثير من المحررين فمثلًا صحيفة " واشنطن بوست" الأمريكية التي اشتراها موقع " أمازون" الشهير أدخلت هذه التطورات في أقسامها لتفادي تراجع القراء والمعلنين. ويجب ألا نغفل الجانب التطويري والتدريبي للصحفيين العاملين في الصحف على استخدام التقنيات الحديثة والاتجاهات الحديثة للصحافة واستيعابها، كما أن على أقسام وكليات الإعلام والاتصال في الجامعات السعودية دورًا مهمًا في استحداث تخصصات تتناسب مع الاتجاهات الجديدة للصحافة الرقمية.