في عهد السلطان العثماني أورخان الأول وأثناء تأسيس ما يُعرف ب "الخلافة العثمانية" تكونت فرقة الإنكشارية ، التي بدأت فرقة صغيرة حتى أصحبت القوة الأقوى في الجيش العثماني. تم تشكيل الإنكشارية من أطفال وشباب هم بالأساس من ضمن أسرى الحروب من غير المسلمين، ويتم تربيتهم تربية عسكرية صلبة على أن يكون ولاؤهم ومرجعهم للسلطان فقط!
تذكرني الإنكشارية في بعدها السريالي بما يُعرف عندنا في السعودية ب (الصحوة) حيث إن هناك تشابها حادا من عدة وجوه، والفرق أن الإنكشارية فرقة عسكرية والصحوة تنظيم "حركي فكري".
عند الإنكشارية يتم اختيار الأسرى الأطفال والشباب من غير المسلمين ثم يتم تعليمهم الإسلام ومن بعدها تبدأ أدلجتهم عبر مشايخ الطرق الصوفية لتكون طاعتهم عمياء للسلطان. وهو ما يفعله الصحويون عند تربية الأطفال والشباب في المخيمات وحلقات التحفيظ تربية حزبيه يتم فيه أدلجتهم وترسيخ فكرة أن الولاء للحزب وليس الوطن! استخدمت الدولة العثمانية الإنكشارييين للحروب والتصدي للحملات على السلطنة العثمانية، واٌستخدم الصحويون لغرض صد التيارات الشيوعية والناصرية في بدايات تشكلهم، ونجح كل منهم في مهمته. لكن الأمر تطور في كلتا الحالتين. فالإنكشارية والصحوة تحولتا لتكونا الغول الذي بدأ يكبر ويُصبحان دولة داخل الدولة، لهم وجودهم ومصالحهم وثقلهم المالي والاجتماعي. مع مرور السنوات سببت الإنكشارية الكثير من التمردات على السلطة وقامت بجرائم حرق واغتيالات، وهو ما قامت به الصحوة في سياقات فكرية وتمردات كما حصل أثناء تحرير الكويت وقبلها حادثة جهيمان وأصبحت تمثل خطرا فعليا!
قوة الإنكشارية اعتمدت على أعدادها وسلاحها، وقوة الصحوة كانت بادية في التعليم والإعلام والجماهير المليونية المخدوعة والمؤيدة المعتنقه لفكرها الحزبي، تسببت الإنكشارية في تأخير تطور الدولةً العثمانية في الوقت الذي بدأت فيه أوروبا نهضتها التعليمية والعسكرية، فاعترضت الإنكشارية على فكرة إنشاء جيش نظامي وتدريبه بأياد غربية، أو إحداث تعديلات دستورية، وحجتهم في ذلك أن هذا يٌعتبر "تغريبا" للدولة العثمانية الإسلامية!
تماماً مثل مافعل الصحويون لعقود من تعطيل لكثير من القرارات التي تصب في مصلحة المواطن، وبنفس الفزاعة المستخدمة "التغريب" وما زال هذا ديدنهم إلى اليوم.