لم تكن حالة "عمران دقنيش" سوى حالة واحدة لآلاف، بل ملايين الأطفال في سوريا، يدفنون أحياء تحت الأنقاض، ولا يعلم العالم عنهم شيئا ولولا أن إرادة الله شاءت عمرًا جديدًا لهذا الطفل، ماكان يسمع عنه أحد، وما تم إنقاذه حيًا من قلب نيران القصف العشوائي لجيش بشار الأسد، وميليشياته المتوحشة. خرج عمران ابن الخامسة من الموت مذهولًا، غير مصدق ما يجري حوله من خراب ودمار، ومن تواطؤ وصمت العالم، على مايحدث له ولأقرانه على يد نظام لا يرحم طفلاً أو كهلاً، ولديه استعداد دموي لارتكاب أبشع وأفظع الجرائم ضد الإنسانية كل دقيقة بل كل ثانية. فمن تحت ركام الغطرسة، والصلف والتسلط وغياب الضمير الإنساني، أبصر عمران الحياة مجدداً، ليكشف للعالم مدى بشاعة الجرائم التي ترتكب بحق أطفال العرب في سوريا، وليذكرنا بما حدث لابن جلدته (إيلان)، الذي لقي حتفه غرقاً العام الماضي، وعثر عليه ميتاً قرب أحد الشواطئ التركية، بعد أن حال الموت بينه وبين أسرته التي كانت تحاول الهروب من جحيم بشار إلى كندا. وهكذا من "إيلان" إلى "عمران"، تستمر المأساة ولا أحد يتحرك ضد الأسد ونظامه، ليظل السؤال: أين السيد بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة؟ وأين المنظمات التي تدعي دفاعها عن حقوق الإنسان والأطفال؟ أليس لعمران حقوق؟ وأين حقوق رفاقه الذين قتلوا وغرقوا وهم يمسكون بثياب آبائهم الفارين من جحيم بشار؟ هل تبصر الأممالمتحدة والمنظمات والأجهزة التابعة لها ما يدور في اليمن فقط؟ ويصيبها العمى في سوريا ومدنها، التي تحولت إلى مايشبه أفرانًا متنقلة، تمتليء يومياً بجثث الضحايا الأبرياء؟! لقد أصبح "عمران" رمزاً للرعب في سوريا، وهو ما أكدته بالفعل "الجارديان" وغيرها من الصحف البريطانية، التي نشرت صورة الصغير، والدموع متجمدة في عينيه لا يستطيع البكاء من شدة ما يشاهده حوله من خراب، جلس عمران على كرسي سيارة الإسعاف دون أن يسقط دمعة واحدة، وكأنه في حالة صمود داخلي، غير مبال بيده المغطاة بقليل من التراب والملطخة بدماء القنابل والصواريخ وبراميل الغازات التي تصبها غارات القوات الحكومية فوق رؤوس الأطفال والنساء في حلب ومناطق شرق سوريا يومياً. سيقول البعض إن هذه المنطقة التي تسكنها المعارضة السورية، تقع تحت سيطرة الجنود الروس الذين استعان بهم بشار، وإن المعارضة تتخذ من هؤلاء الأبرياء وسيلة لكشف مأساة سوريا. و"الوئام" تقول لهؤلاء، لا يهم هنا جنود "بشار" أم جنود "بوتين" فالقاتل واحد والهدف واحد، كما نشاهد ذلك الصمت الغربي والعالمي المميت والقاتل؟ تجاه ما يحدث من حصار لمدنيين عُزل في ضواحي سوريا، يصطادهم نظام الأسد وأعوانه، مقابل الحفاظ على الكرسي والتمسك بالمنصب، الذي حتماً سيغادره، حتى لو تحولت سوريا إلى بحر من الدماء. إن ما يحدث في سوريا، وما يعانيه أطفالها ونساؤها من قصف همجي، عار على جبين الإنسانية، ونقطة سوداء في تاريخ كافة الدول والحكومات، التي تشجع بشار وجنوده على عمليات الإبادة الجماعية، لشعب أقصى أمانيه العيش في سلام وأمان. ويجب على كل الأنظمة والشعوب الحرة في العالم، أن تحطم جدران الصمت، ولا تنتظر شيئاً من المنظمة الدولية وأجهزتها ولا من منظمات حقوق الإنسان العالمية و"الأممية" التي ثبت يقيناً أنها تكيل بمكيالين، وإنها تنتقي من الكوارث الإنسانية ما يروق لمصالحها وأهدافها والدول التي تدفع لها، وتترك شعوبًا أخرى تذبح ويتم التنكيل بأطفالها برًا وبحرًا وجوًا، دون أن تتحرك ضد مثل هذه الجرائم الوحشية. إننا هنا في السعودية والخليج، وكل الدول العربية الرافضة للهمجية، نأمل أن تكون حالة الطفل عمران، آخر حالة مأساوية، وأن نستيقظ غداً، لنفاجأ برحيل بشار ونظامه، لإيقاف نزيف الدم الذي غطى التراب السوري، فكفى بهذا النظام قتلاً وتخريبًا، وكفى بأعوانه وحلفائه، استمرارًا في كل هذا الظلم والطغيان.