قصص الناجحين تبعث التفاؤل ، وتحرك الأمل في نفوس النشء ، وفي المجتمع السعودي الكثير من قصص النجاح لأشخاص بدأوا من الصفر حتى اعتلوا القمة ، ولكن الحديث عن هذه التجارب يحتاج إلى الكثير من الجهد لاستنطاق هؤلاء الذين يرى أغلبهم أن ماحققوه لايستحق الحديث عنه ، لأنهم بطبعهم اعتادوا الاستغراق في العمل والانجاز ، وعاشوا بيئات متقدمة ديدنها العمل والإبداع وتنصرف عن الحديث لما هو أجدر ، ولأن من مهام الاعلام تقديم النماذج الناجحة كان حقاً علينا الإشارة إلى تجارب هؤلاء . من الجندية في الحرس الوطني وحتى الوصول إلى مراتب التميز والحصول على درجة الدكتوراة في تخصص حيوي ، والتفوق كأول عربي يحصل على الماجستير في تخصصه وصولاً إلى الاحتفال بدرجة الدكتوراة ، كانت رحلة المقدم الدكتور عادل العتيبي . بدأ عادل حياته العملية بالانتقال من بقعاء شمال منطقة حائل للرياض ، فالتحق بركب المتطوعين في حرب الخليج مما غرس في نفسه حب العسكرية فحاول الالتحاق بكلية الملك خالد في 1990 م إلا إن الحظ لم يحالفه ، فعاد والتحق بالخدمات الطبية في وزارة الحرس الوطني على رتبة جندي ، بسبب الظروف القاسية التي أجبرته على مغادرة مقاعد الدراسة مبكراً ، لكنه لم يتخلى عن طموحاته التي أجلها تحت وطأة الظروف إلى حين تحقيق أولوياته في الحياة. ولأن أبواب الأمل تظل مفتوحة في وجه كل متفائل ومتأهب فقد لاحت فرصة العمر للجندي عادل ، حيث وجه ولي العهد ورئيس الحرس الوطني آنذاك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز – رحمه الله – بابتعاث قرابة الخمسين من منسوبي الخدمات الطبية لدراسة طب الطوارئ والعلاج التنفسي في الولاياتالمتحدة ، وكان نصيب عادل أن يكون أحدهم. في العام 1994 تخرج عادل بدبلوم عال في العلاج التنفسي من جامعه Ferris State University بولاية ميتشجان، وعمل إخصائياً للعلاج التنفسي بمستشفى الملك فهد بالحرس الوطني ، وبدأت ظروفه المالية تتحسن حيث تم ترقيته إلى رتبة رقيب أول هو وزميل آخر من بين بقية المبتعثين ، ورغبته في مواصلة الدراسة تتجذر . بعد ذلك بعامين تقدم بطلب اكمال درجة البكالوريس من الولاياتالمتحدة فتحقق له ذلك ، وغادر بغية تحقيق أحلامه ،وتخرج في نصف فترة الابتعاث المفترضة ، وكان من بين الخمسة الأوائل على الكلية ، وحصل على البورد الأمريكي ، ولأن هناك من يقدر التميز والمتميزين ، فقد كافأه معالي المدير العام التنفيذي للشئون الصحيه الدكتور فهد العبدالجبار آنذاك بالموافقة على طلبه باكمال الماجستير ، حيث تحقق له ذلك و حصل على درجة الماجستير عام 2000م من جامعة Georgia State University بولاية جورجيا ، فحقق ايضا التميز كأول طالب سعودي وعربي يحصل على الماجستير في العلاج التنفسي مع مرتبة الشرف ونشرت رسالته ، وانهالت عليه عروض التوظيف ، وكان الأبرز عرض جامعته بأن يعمل بها ويحصل على الجنسية الأمريكية ، إلا أنه يرى بأن لبلاده الحق في الاستفادة من خدماته ، ولها يدين بالفضل فيما حقق ، فكان رده بالرفض ، وعاد للعمل في مستشفى الحرس الوطني كأخصائي أول ومشرف للعلاج التنفسي ، ومع ذلك استمرت رغبته قائمة في مواصلة الدراسة والتميز في مجاله . في انتظاره كانت وقفة تقدير عرفان أخرى ، هذه المرة من قبل رئيس الجهاز العسكري بالحرس الوطني آنذاك صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز ، الذي توقف أمام معاملة للأخصائي عادل ، الذي يحمل الماجستير ويعمل على وظيفة رتبة رقيب أول ، فأصدر قراره بإلحاقه بكلية الملك خالد العسكرية دورة الضباط الجامعيين ، ليتخرج منها ملازم أول بأقدمية ثلاث سنوات وتسعة أشهر ، ويتم ترقيته بعدها بثلاثة أشهر على رتبة نقيب. في الجانب الآخر كانت الثقة في قدراته تتزايد فصدر قراراً بتعيينه مديراً لقسم العلاج التنفسي بمستشفى الحرس ، ومحاضراً بكليتي الطب والعلوم الطبية التطبيقية في جامعة الملك سعود الصحية في آن واحد بهدف الاستفادة من خبراته وكفاءته ، فساهم وبشكل كبير بتأسيس أول برنامج حكومي بكالوريس في العلاج التنفسي بجامعة الملك سعود بن عبدالعزير للعلوم الصحية حيث عين رئيسا للجنة العلميه لهذا القسم ، ومدربا أيضاً في قسم الدراسات العليا ، واستمر يدير القسم ويلقي المحاضرات لطلابه حتى عام 2010 م، حيث قرر مواصلة مشواره العلمي خلف تخصصه الذي أحب ، وجاء ابتعاثه هذه المرة إلى المملكة المتحدة ، وانطلق في رحلة علمية جديدة في جامعة نوتنجهام لدراسة الدكتوراة في كلية الطب في قسم التخدير والعناية المركزة. وفي العام 2015 في شهر ديسمبر حصل على درجة الدكتوراة مع مرتبة الشرف Distinction وتم قبول الرساله بدون تصحيح ، وهي حالة نادرة تشير إلى تميز الباحث والقيمة العالية لبحثه ، وكافأته الملحقية الثقافية في المملكة المتحدة بأربع مكافآت طيلة أربعة أعوام متتالية، وعرضت عليه جامعة نوتنجهام الزمالة الطبية في التخصص لمدة عام كمنحة مجانيه ، إلا إنها رفضت من جهة العمل لأسباب إدارية ، ومع ذلك يرى الدكتور عادل بأن ذلك لايزعجه فهناك المزيد من النجاحات في انتظاره، والخيرة فيما يختاره الله عزوجل. الدكتور عادل يعيد الفضل بعد الله فيما حققه من نجاحات إلى دعاء الوالدين في المقام الأول ، ولاينسى أن يشير إلى دور الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله في العام 1991 الذي كان هو مفتاح باب الانجازات ، بجانب جهود الراحل الكبير الملموسة في تطوير وزارة الحرس الوطني ، كذلك الموقف الرائع من صاحب السمو الملكي وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله الذي كافأه بترقيته بمبادرة منه دون أن يطلب ذلك تقديراً لانجازات عادل ، وتحفيزاً لبقية زملائه .