إن صناعة المستقبل لأي بلد تنطلق من استشراف ذلك المستقبل، من خلال الرؤية التي يمتلكها القادة والسياسيون والاقتصاديون، والتي تحدد مسار وخارطة الطريق نحو تحقيق الطموحات والإنجازات، والتحول نحو دول العالم الأول. ولقد أولت المملكة العربية السعودية صناعة المستقبل اهتمامًا كبيرًا، وقد تجلى ذلك واضحًا عندما اعتمدت القيادة الحكيمة في مجلس الوزراء رؤية 2030 بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهده الأمين، وولي ولي عهده الأمين. ويقود تحقيق رؤية 2030 شاب طموح سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود، وترتكز الرؤية على عدد من المرتكزات الأساسية التي انطلقت منها في تكوين استراتيجياتها ومبادراتها وبرامجها، والعديد من المشروعات التنموية. إن تحول الدول وتقدمها اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا يمر بمرحلتين جوهريتين أساسيتين ترتكز كل منهما على الأخرى، الأولى مرحلة تحديد الرؤية ووضع التصورات ورسم الاستراتيجيات، والثانية وهي المهمة جدًا، وهي مرحلة تحويل الرؤى والتصورات والاستراتيجيات إلى برامج تنفيذية وفق مراحل وخطوات عملية يكون لها أثر ملموس على أرض الواقع. وقد تم تطوير إطار حوكمة تحقيق رؤية 2030، من أجل أن يكون العمل مؤسسيًا؛ مما يسهم في رفع كفاءته وتنسيق الجهود بين الجهات ذات العلاقة، وتم تقسيم أدوار ومسؤوليات التنفيذ إلى ثلاثة أقسام: أولًا: رسم التوجهات والاعتماد، ويشمل هذا المستوى ثلاث جهات معنية: – مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية؛ بحيث يضع الآليات والترتيبات اللازمة لتحقيق الرؤية، ورسم الرؤى والتوجهّات والبرامج والرفع بها، وإزالة العوائق والصعوبات التي تؤثر على تحقيق البرامج التنفيذية. – اللجنة المالية، وتتولى وضع وتحديث آليات اعتماد تمويل البرامج والمبادرات، وإعداد وتحديث الآليات التفصيلية التي يتم من خلالها اعتماد المتطلبات المالية للبرامج والمبادرات، ودراسة المتطلبات المالية، وتخطيط التدفقات النقدية لها والرفع في شأنها. – الفريق الإعلامي بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، حيث يتولى ترسيخ الصورة الذهنية لرؤية المملكة 2030، وتوحيد الرسائل الموجهة إلى الرأي العام، وتطوير الخطة الإعلامية للرؤية والبرامج التنفيذية المرتبطة بها. وقد حدد إطار الحوكمة خمس جهات تتولى تحديد مستوى تطوير الاستراتيجيات الخاصة بتحقيق الرؤية: 1) اللجنة الاستراتيجية بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وتتولى تقديم الدعم في الشؤون الاستراتيجية للمجلس، من صياغة الاستراتيجيات المحققة للرؤية وترجمتها إلى برامج تنفيذية، ومتابعة تنفيذها، وحل العوائق والمشكلات التي تواجه تنفيذ الاستراتيجيات والبرامج والمشروعات المحققة لتوجهات المجلس. 2) مكتب الإدارة الاستراتيجية في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الذراع التنفيذية للجنة الاستراتيجية، ويتولى دراسة وتحليل وترجمة الرؤية إلى خطط وبرامج تنفيذية ومن ثم الإشراف والمتابعة المستمرة، ومدى تحقيقها لأهدافها. 3) مكتب إدارة المشروعات في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، فيقوم بمتابعة المشروعات والقرارات التي يصدرها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ويشمل مدى تحقيق أهداف الرؤية من خلال البرامج التنفيذية. 4) وزارة الاقتصاد والتخطيط فتمثل الجهة الداعمة للجهات ذات العلاقة والأجهزة الحكومية في التخطيط الاستراتيجي والتنفيذي، بناءً على توجيه من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وتوفر المعلومات اللازمة من بيانات وإحصاءات ودراسات إلى الجهات ذات العلاقة، وتعمل على مواءمة الخطط القطاعية بين الجهات ذات العلاقة. 5) مركز الإنجاز والتدخل السريع الذي يمثل الذراع الداعمة لمجلس الشؤون الاقتصادية في عمله مع الجهات التنفيذية بغرض تحقيق الرؤية، من خلال تقديم الدعم في تصميم المبادرات وانجازها وتنفيذها. وتمثل الوزارات والهيئات والأجهزة الحكومية الجهات التنفيذية لرؤية المملكة 2030، فهي معنية بتطوير وتنفيذ البرامج والمشروعات والمبادرات، وتنسيق الجهود والتعاون مع الجهات الحكومية الأخرى في سبيل تحقيق النتائج المرجوة. فضمان نجاح تحقيق رؤية 2030 وتنفيذ خططها وبرامجها يتطلب قيادة استراتيجية ذات قدرة تنفيذية تفهم واقع الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية، وتعمل على تطبيق الخطط والاستراتيجية بصورة صحيحة، وينبغي أن تقوم وتضطلع القيادة الاستراتيجية بعدد من الأدوار والمسؤوليات من أهمها: – نشر الفكر الاستراتيجي في المؤسسة من خلال التثقيف المستمر، والدورات التدريبية، والبرامج التطويرية لجميع الموظفين والإداريين بالمؤسسة. – توحيد الجهود عن طريق وضوح الأهداف ومشاركة موظفي المؤسسة وإداريها في وضع الأهداف. – منافسة القطاع الخاص والتفوق عليه في جودة الخدمات المقدمة للمستفيدين. – التركيز على الإنجاز، من خلال تقسيمات العمل، ومن خلال المراكز الحكومية المختلفة التي تغطي جميع المناطق. – تقديم الخدمات الحكومية للمستفيدين عن طريق الهواتف الذكية، وإتاحتها في الزمان والمكان المناسبين. – توليد أفكار لتطوير العمل باستمرار من خلال الموظفين ومن خلال المستفيدين، والعمل على تهيئة البيئة الإبداعية والابتكارية المناسبة. – امتلاك أنظمة تقنية مترابطة وفعالة من أجل أن تتمكن المؤسسة الحكومية من انجاز المعاملات بسرعة أكبر. – ترتيب الأولويات حسب أهميتها ووقت إنجازها، بحيث تكون القضايا المهمة والمستعجلة في أولى اهتمامات قائد المؤسسة الحكومية. – إيجاد بنية تحتية متكاملة وبيئة مستدامة تعمل على نجاح العمل وضمان تحقيق الأهداف وتنفيذ البرامج. – الإصرار في مواجهة التحديات التي تقف أمام تحقيق المؤسسة لأهدافها. – مراقبة الأداء الحكومي باستمرار وفق مؤشرات أداء واضحة ومقننة قابلة للقياس، والعمل على تصحيح مسارات الإخفاق التي تقف في طريق تحقيق المؤسسة لأهدافها. – دعم مبادرات التعلم المستمر وتبادل الخبرات بين الموظفين؛ لتحقيق التناغم والتكامل في بيئة العمل. – تشجيع الموظفين نحو التميز في الأداء، عن طريق وضع مؤشرات وجوائز للتميز الإداري. – إشراك الموظفين في وضع السياسات والإجراءات الازمة لتحقيق الأهداف وتنفيذ البرامج. – إتاحة المعلومات اللازمة للموظفين والمستفيدين بشفافية ووضوح، ليتمكن الموظف من أداء عمله بجودة عالية، ويتمكن المستفيد من الحصول على الخدمة بكل رضا وارتياح. – فتح قنوات الاتصال والتواصل بين الموظفين والإداريين، وفي كل الاتجاهات الأفقية والعمودية، الصاعدة والهابطة، دون تعقيد أو تعطيل أو تأخير. – دعم العمل بروح الفريق والمسؤولية الجماعية والتي تعزز التعاون وتشجع على الإنجاز واكتساب الخبرة اللازمة والكافية. – إشاعة الاحترام والثقافة المتبادلة بين العاملين داخل المؤسسة. – تمكين الإداريين من أداء أعمالهم؛ من أجل سرعة إنجاز المعاملات واختصار الوقت والجهد. – تشجيع الموظفين على الإبداع والابتكار في مجال أعمالهم، ووضع نظام للحوافز والمكافآت التي تحقق ذلك. – تشجيع الموظفين على تكوين الاتجاهات الإيجابية والسلوك الجديد الذي يتطلبه التطوير المؤسسي. – تحسين صورة المؤسسة في البيئة المحيطة وفي المجتمع، وفتح قنوات اتصال مع المجتمع الخارجي. – توفير الموارد البشرية المؤهلة للتعامل مع التقنيات الحديثة. – تبسيط الإجراءات الإدارية. وأختم مقالي بالعبارة التالية: التخطيط يحتاج إلى عقول متنوعة بينما التنفيذ يحتاج إلى عقول متجانسة